ونكرم جارنا ما دام فينا ... ونتبعه الكرامة حيث مالا
وأنا أقول: قد اختلف في المبالغة، فقوم يرون أن أجود الشعر أكذبه وخير الكلام ما بولغ فيه، ويحتجون بما جرى بين النابغة الذبياني وبين حسان في استدراك النابغة عليه تلك المواضع في قوله طويل:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فإن النابغة إنما عاب على حسان ترك المبالغة، والقصة مشهورة، والصواب مع حسان، وإن روى عنه انقطاعه في يد النابغة، وقوم يرون المبالغة من عيوب الكلام، ولا يرون من محاسنه إلا ما خرج مخرج الصدق، وجاء على منهج الحق، ويزعمون أن المبالغة من ضعف المتكلم وعجزه عن أن يخترع معنى مبتكراً، أو يفرع معنى من معنى، أو يحلى كلامه بشيء من البديع، أو ينتخب ألفاظاً موصوفة بصفات الحسن، ويجيد تركيبها، فإذا عجز عن ذلك كله أتى بالمبالغة لسد خلله، وتتميم نقصه، لما فيها من التهويل على السامع، ويدعون أنها ربما أحالت المعاني فأخرجتها من حد الإمكان إلى حد الامتناع.
وعندي أن المذهبين مردودان.
أما الأول فلقول صاحبه: إن خير الكلام ما بولغ فيه، وهذا قول من لا نظر له، لأنا نرى أن أكثر الكلام والأشعار جارياً على الصدق، خارجاً مخرج الحق، وهو في غاية الجودة ونهاية الحسن وتمام القوة، كيف لا