والمبالغة ضرب واحد من المحاسن، والمحاسن لا تنحصر ضروبها، فكيف يقال: إن هذا الضرب على انفراده يفضل سائر المحاسن على كثرتها؟ وهذا شعر زهير والحطيئة وحسان ومن كان مذهبه توخي الصدق في شعره غالباً ليس فوق أشعارهم غاية لمترق، ألا ترى إلى قول زهير طويل:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم
والى قول طرفة طويل:
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطول المرخى وثنياه في اليد
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
والى قول الحطيئة بسيط
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
فإنك تجد هذه الأشعار في الطبقة العليا من البلاغة وإن خلت من المبالغة. والذي يدل على أن مذهب أكثر الفحول ترجيح الصدق في أشعارهم على الكذب ما روى عن الحرورية امرأة عمران بن حطان الخارجي أنها قالت له يوماً: أنت أعطيت الله عهداً ألا تكذب في شعرك، فكيف قلت كامل مجزوء: