رهنت يدي بالعجز عن شكر بره ... وما فوق شكري للشكور مزيد
ولو كان مما يستطاع استطعته ... ولكن ما لا يستطاع شديد
فإن هذا الشاعر ألقى بيده وأظهر عجزه واعترف بقصوره عن شكر بر هذا الممدوح، وفطن إلى أنه لو اقتصر على ذلك لقيل له: عجزك عن شكر هذا الرجل لا يدل على كثرة بره، وإنما يدل على ضعف مادتك عن الشكر إذ لا يلزم من عجز الإنسان عن شيء تعظيم ذلك الشيء على الإطلاق، لاحتمال أن يكون العجز لضعف في الإنسان فاحترس عن ذلك بقوله:
وما فوق شكري للشكور مزيد
ثم تمم المعنى بأن قال: للشكور أي للمبالغ في الشكر، لأن شكور معدول عن شاكر للمبالغة كما تقدم ثم أظهر عذره في عجزه مع قدرته بأن قال في البيت الثاني:
ولو كان مما يستطاع استطعته
ثم أخرج بقية البيت مخرج المثل السائر حيث قال:
ولكن ما لا يستطاع شديد
فهذا أبلغ شعر سمعته في هذا المعنى لجودة مفردات ألفاظه، وسهولة سبكه ومساواة لفظه لمعناه، ومتانة مبناه، وكثرة معانيه، وصحة المبالغة فيه؛ فإن قيل: لم بالغت في وصف هذا الشعر وهو عندك داخل في القسم المعيب من المبالغة لكونه أخرج الكلام من حد الإمكان إلى حد الامتناع حيث جعل شكر هذا الممدوح لا يستطاع؟ فإني أقول: ليس كل بر يمكن شكره، ولا يقوم المدح بحقه، فإنا لو قدرنا أن إنساناً فك إنساناً من الأسر واستنقذه من