" فلما وصل إليهم خبر توجه ركابنا الشريف على هذا الوجه، أرادوا أن يتداركوا بقاء نفسهم وأرواحهم، فجمعوا عساكرهم السيفية، والجلبان، ومماليك الأمراء، والعربان نحو الثلاثين ألفاً ".
" وجمعوا ما في القلعة المصرية، وبيوت الأمراء، وثغر إسكندرية، وسائر البلاد والقلاع، من المكاحل، والكفيات، والسبقيات، والبندقيات، واللبوس، والسلاح ".
" وحفروا خندقاً في الريدانية، من بحر النيل إلى الجبل، وجمعوا أخشاباً جعلوها تساتير على الخندق، وأحضروا رماة من الفرنج وغيرهم، وسائر آلات الحرب، وهيئوها للقائنا ".
" فوصل ركابنا الشريف، بعساكرنا المنصورة، إلى الريدانية، في يوم الخميس التاسع والعشرين، من ذي الحجة الحرام سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وقت الغداة، فوجدناهم قد لبسوا السلاح، وتكملوا العدد، وتقلدوا العُدد، وهم غارقون في الدروع والزرد، وأرادوا مقابلة عساكرنا المنصورة، التي هي أعداد الرمال، وأمثال الجبال، ولها قلوب الأسود، وشخوص الرجال ".
" فلما وقف الصفان ماج عسكرنا كموج بحر عمان، فبقي يغلي ويضطرب، فرتبنا وزيرنا الأعظم سنان باشا في ميمنة العسكر، ودستورنا المكرم ومشيرنا المفخم نمر وهزبر الهيجاء، وزيرنا يونس باشا في الميسرة ".
" واصطف الجيشان، وزحف العسكر المصري على سنان باشا في الميمنة، ورموا عليه بالمكاحل والسبقيات والكفيات والبندقيات، وجاء أعداؤه للقتال، فما روعه ذلك، ولا أزعجه، بل جال فيهم وصال، وقطع منهم الأوصال، ورمى منهم الرؤوس عن الجثث، وغنى فيهم السيف، إلى أن خاضت خيولهم في الدماء والقتلى ".
" ثم ولوا منهم منهزمين إلى الميسرة، فتلقاهم يونس باشا المشار إليه، وجال فيهم بطعن وضرب، فأرادوا الفرار، فناداهم لن ينفعكم الفرار، إن فررتم من الموت أو القتل، فكم من فارس تجندل صريعاً وكم من أمير أحضروه إلينا أسيراً ".
" وأما غالب العسكر المخذول، فداسهم عسكرنا تحت حوافر الخيول؛ واستمر الحرب من أول النهار إلى بين الصلاتين، وصار حرب عظيم، وجرح سنان باشا ".
" وآخر الأمر بإرادة الله تعالى، ألا إن حزب الله هم الغالبون، وصارت عساكرنا غالبة