ومنصورة، والعساكر المصرية مغلوبة مقهورة، وقالوا: أين المفر؟ والذي سلم من سيوفنا، منهم من رمى بنفسه عن فرسه فقبضوا عليه، ومنهم من قطعوا رأسه وأحضروه إلينا، والمأسورون منهم عملناهم إشارات لنبلنا وغداء لسيوفنا، وصارت أبدانهم ورؤوسهم وخيولهم كيمانا ".
" وأقمنا بعد هذه المعركة في الريدانية أربعة أيام، بالسعد والإقبال، ثم انتقل ركابنا الشريف من الريدانية إلى جزيرة بولاق ".
" وكان قد فضل بقية سيوفنا من العساكر المصرية، فهربوا واجتمعوا، هم والسلطان طومان باي، وجمعوا العربان، والتموا نحو العشرة آلاف، ليلاً من نهار الثلاثاء خامس شهر المحرم الحرام سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة خفية، ودخلوا البيوت الحصينة، وحفروا حولها الخنادق، وستروا التساتير، واجتمعوا في الحارات، وأظهروا الفساد، وأبرزوا العناد، فعلمت عساكرنا المنصورة بهم، فربطوا الخيالة لهم الطرقات، لئلا ينهزم منهم أحد، وصاحت عليهم مماليكنا الينكشارية والتفكجية، وحملت عليهم حملة رجل واحد، ودخلوا عليهم إلى البيوت التي تحصنوا فيها، ونقبوا عليهم البيوت يميناً وشمالاً، وطلعوا على أسطحة تلك البيوت التي تحصنوا فيها، ورموا عليهم بالبنادق، والكفيات، واستمر الحرب بين عساكرنا المنصورة وبينهم ثلاثة أيام ".
" وفي يوم الجمعة ركب مقامنا الشريف، واشتد الحرب، وصار مثل " يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم "، ومثل " يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه "، فخربنا ما عملوه من التساتير والخنادق، فالتجئوا إلى بعض البيوت الحصينة، فحرقنا عليهم تلك البيوت التي التجئوا إليها، وبقوا في العذاب الأليم، وأرادوا الهروب فما لقوا لهم طريقاً إلا بحر النيل، فأرموا أنفسهم فيه، وغرقوا كيوم فرعون ".
" وفي هذه الثلاثة أيام يستمر القتال من الصبح إلى العشاء، وبعون الله تعالى قتلنا جميع الجراكسة، ومن انضم إليهم من العربان، وجعلنا دماءهم مسفوحة وأبدانهم مطروحة، ونهب عسكرنا قماشهم وأثاثهم وديارهم وأموالهم وبركهم ويرقهم، ثم صارت أبدانهم للهوام ".
" أما طومان باي سلطانهم، فما عرفنا هل هو مات أم بالحياة؛ وأطاعتنا بعون الله تعالى جميع العربان، والمشائخ والأكابر بمصر وأعمالها، والحمد لله الذي هدانا لهذا، والمسؤول من الله سبحانه أن يكون عدونا دائماً مقهوراً، وعسكرنا منصوراً، والداعي بدوام دولتنا مسروراً، إلى يوم النشور، آمين يا معين ".