للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" فلما أحس في نفسه عدم الاستطاعة من ضرب حسامنا، وسطوة عبيدنا وخدامنا، جعل جموعه فرقتين، وصفوفه شرذمتين، فعين لأحدهما قسم رأسه، وشكيمة بأسه، أميراً هو الحاكم للديار البكرية، المعروف بمحمد استراحالي، فأرسله على ميمنتنا البادة، وهجم بنفسه وجيشه ومطاعينه وشياطينه على ميسرتنا السادة، فتصادم الصفوف، وتزاحم الرجوف، وأطلقت الأعنة، وأشرعت الأسنة، وقامت الحروب بين أهل الحق، وبين الطائفة الجافية الفاجرة، وقد كانت لهم آيةٌ في: " فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة ".

" واشتد الهياج، وامتد العجاج، وتصافح الصفاح، وتشاجر الرماح، وتكاثر الجراح، واشتعل الضرام، وتطايرت السهام، تضايق المجال، وتسابقت الآجال، والتفت الساق بالساق، وتلاعبت الأسياف بالأكتاف، وخضبت الدماء الخناجر، وبلغت القلوب الحناجر ".

" وأما الطائفة التي أتت على الميمنة فقام أمير الميمنة في صدورهم، وأشرع الأسنة في نحورهم، وروى اللهازم من تامورهم، ودفع صولتهم، ومنع سطوتهم، وكسر حدتهم، فهزمهم بإذن الله، ولم يبق أحد من شريفهم وخسيسهم، حتى حز رأس رئيسهم ".

" وأما حال الميسرة فجاء عليه العدو المدبر برمته وكليته، وبذل جهده، واستفرغ ما في وسعه وقدرته، فحمل عليهم حمل الليث الحاذر، وسطا عليهم سطوة الأسد الزائر، لكن السيل إذا بلغ الجب الراسي وقف، والليل إذا انتهى إلى الصبح انكشف ".

" وتناوبت الحملات، وتناوبت الأسلات، والصفوف ما خرجت عن مقارها، ولا انزعجت عن محل قرارها، وواصل النبال الوصال، والنصال النبال، فثبت في وجوههم منا صف مرصوص البنيان، وأسرعوا إلى نحو تلك الذئاب ثعالب الحرصان، وقتل جم غفير من الغاوي، فملأت منهم دركات النيران، واستشهد منا جماعة استحلوا طعام الطعان، وساقهم خبا الجنان ".

" وكان أمير الميسرة مقروحاً بقروح عديدة، ومجروحاً بجروح مبيدة، فخرج عن مواضع الهيجا، واندرج بعد ساعة في زمرة الشهدا، والصالحين والسعدا، فما أثر في أحزابنا هذا النصب، ولا صدهم عن الطلب ذلك التعب ".

" فبرز الأمر العالي أن يمدهم جماعة من العلوجيين، وحزب من الغرباء وثلة من

<<  <   >  >>