الآجلين، فلما نالهم المدد تسنت للإسلام مناهج، ووضحت للسعادة مباهج، وتألفت في الإقدام مقدمات ونتائج المناهج، والتأمت في مد الرحال مدارج، واتفقت حسنات، وحسنت اتفاقات، وكانت لنا كسرات، ولأعدائنا مساءات ".
" وساعدت الأقدار وتباعدت الأكدار، كلما حلوا ردوا وأرادوا، وكلما ساروا وشدوا أسروا وشدوا وناسبهم النشاب، فعادت أسودهم قنافذ، وسابقتهم السهام، فوسعت فيهم الخرق النافذ، واستعملت الكفيات، الصريزايات فمطرت عليهم البنادق والحجارات، " كصيبٍ من السماء فيه ظلماتٌ، ورعدٌ وبرقٌ يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت ".
" فصار حسب حالهم " ما ينظرون، إلا صيحةً واحدةً تأخذهم وهم يخصمون، فلا يستطيعون توصيةً ولا إلى أهلهم يرجعون " وحل بهم الصغار، والذلة والدمار، فأووا إلى جبلٍ ليعصمهم من طوفان الدمار ".
" فمن الله علينا بالفتح الجميل، وأيدنا من عنده بالنصر الجليل، فزلت أقدامهم، وولت أعلامهم، وانحل عقدهم، وانفك حدهم، وانتكس تدبيرهم، وانعكس تقديرهم، فما بقي من تلك الآلاف آحاد، وما نجا من هذه الأعداد أعداد، فعاد مجروحاً بجراحات مؤلمة في عدد يسير، عاجزين حائرين خائبين خاسرين ".
" وبعد ما رجعوا على هذه الحالة التي زيدت،، والصفة التي ذكرت، لم تثبت في بقعة أقدامهم، ولم تخفق لوقفة أعلامهم، بل رأوا النجاة من أيدي الرزايا، والخلاص من حبائل المنايا، والخروج عن الولايا، فخرجوا عنها هاربين، وللنجاة طالبين، وقطعوا المنازل، وطووا المراحل، وتركوا الدواب والرحال، وطرحوا الأحمال والأثقال، وعدوا فراسخ الفرار، وإن امتدت خطوة، وأيام الهرب، وإن طالت لمحة، وهذه حالهم، وشرٌ منا ما لهم، لا يحميه جار، ولا تأويه دار، وكل ذلك عاقبة الظالمين، والحمد لله رب العالمين ".
فأما من أسر فلم يكف أطناب الخيام لقيده وشده، وأما من قتل فلقد حصرت الألسن عن حصره وعده، فلم تقع عين إلا على أشلاء طريحه، وأعضاء جريحه، وأصابع مقصومة وأشاجع مفصومة وصدور مدصوصة، ونحور مبصوصة، وأجساد منصفة، وأعضاد منصفة، وصارت تلك المعركة بالدماء دارا، وعادت الغبراء حمراء، وجرت أنهار الدم النهر، وسقى بتلك الخبائث وجه الدين المطهر.