للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقعدنا في ذلك المنزل يوماً آحدا ثم أصبحنا على عقبة سائرين محبورين، والوجوه سافرة، والألسن بأنعم الله شاكرة، والأنفس للألسنة مسامرة، والأقدام بالأقدار متظافرة متظاهرة، فحللنا بالطائر الأسعد، والمجد الأمجد، ببلدة تبريز.

وانحسمت الظلمة المستولية بمقدمنا العزيز، فطابت قلوب الرعايا، وبشرت من الله بما ظهر من ألطافه الخفايا، لما بدلوا من الظلمات نورا، وأعقبوا من الموت نشورا، فوجدناها بلدة أخربت فيها بقاع الخيرات ومساكن العباد، وعطلت المساجد، فجعل هذا الظالم بعضها اصطبلاً للدواب، بوعضها مسكناً للشراد والحداد، فأمرنا أن تعود كلها إلى وضعها القديم ويذكر فيها اسم الله الرحمن الرحيم.

فلما دخل يوم الجمعة أصبح الناس يقولون هذا يوم كريم ... موسم عظيم، يوم تجاب فيه الدعوات، وتصب البركات، فطوبى لمن عاش حتى حضر هذا اليوم، الذي انتعش فيه الإسلام وارتأس، من أفضل هذه ... فأشرف من هذا الجماعة، التي شرفها الله تعالى لتوفيق هذه الطاعة، امتلأ الجامع، واختلفت المجامع، وتوحشت الأبصار والمسامع، وغصت بالسابقين إليه المواضع، واجتمع الزاهد والعابد، وتوافد الراكع والساجد، والخاشع والواجد، والقائم، والقاعد، وعبد الأحد والواحد، وأبكى الحفاظ، فتلى التنزيل، وأسلى الوعاظ بحق الحق، وبطلت الأباطيل.

وصعد الخطيب المنبر فخطب وأنصتوا، ونطق فسكتوا، ووعظ في خطبته، وخطب بموعظته، وتلاها على مذهب أهل السنة وجماعتهم، وذكر الخلفاء الراشدين، والأئمة المجيدين، رضوان الله عليهم أجمعين، بالتعظيم والتبجيل على ترتيب خلافتهم، بعد أن لم يذكروا بالخير أمداً مديداً، وعهداً بعيداً، ورقت القلوب، وجفت الكروب، وتصاعدت الزفرات وتجددت العبرات، وصاح التوابون، وماج الأوابون.

فلما دعا بخلود أيام دولتنا، وإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ختم بقوله: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان "، ونزل وصلى بالمحراب، وافتتح باسم الله من أول الكتاب، فصلينا معه والصفوف على سعة المسجد بها متصلة، والأمة إلى الله تعالى بدوام نصرتنا مبتهلة؛ ولما قضيت الصلاة انتشرالناس، واستمد الإيناس، وطابت النفوس والأنفاس.

<<  <   >  >>