للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومضمونه هو هذا الدليل، فخلاصة ما قاله له: مقالتك هذه التي تدعو الناس إليها -وهي كون القرآن مخلوقًا- إما أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه الراشدون عالمين بها أو لا، وهذا تقسيم عقلي صحيح؛ لحصره في الشيء ونقيضه، ثم نرجع للقسمين المذكورين بالسبر الصحيح فنجدك يا ابن أبي دؤاد على غير الصواب في جميع الاحتمالات، فعلى تقدير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاءه الراشدين كانوا غير عالمين بها فلا يمكن أن تكون عالمًا بها، وإذًا فأنت تدعو الناس لما لا علم لك به، وهذا غير صواب منك. وعلى تقدير أنهم كانوا عالمين بها ولم يدعوا الناس إليها فإنك يا ابن أبي دؤاد يسعك في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ما وسعه هو وخلفاءَه الراشدين، فأنت على غير صواب في دعائك إلى شيء علمه النبي وأصحابُه وتركوا دعوة الناس له؛ لأنك يسعك ما وسعهم.

وقد بسطنا الكلام على هذه القصة، وذكرنا أنه روي عن الخطيب (١) أن الواثق بالله كان حاضرًا لهذا الكلام، وسقط من عينه ابن أبي دؤاد، وأَطلق سراح الشيخ الشامي، ولم يَمتحن بعد ذلك أحدًا بخلق القرآن، وأن هذا الدليل صار هو أول مصدر لكبح جماح فتنة القول بخلق القرآن.

ومن أراد بسط الكلام في هذا الدليل فلينظر كتابنا أضواء البيان، في الكلام على آية مريم التي أشرنا إليها. وقد اكتفينا بهذه الكلمات القليلة المبيِّنة أن التقسيم قد يكون جزء دليل تصديقي.


(١) انظر تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (١٠/ ٧٥ - ٧٩).