للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل في التصديق وبيان المناظرة فيه]

وقد قدمنا تعريفَ التصديق بإيضاح، وذكرنا انقسامه إلى ضروري ونظري، وبينا أمثلة ذلك في الاصطلاح المنطقي (١)، وهو عند أهل الفن ينقسم إلى تصديق بديهي وتصديق نظري، والتصديق البديهي عندهم هو ما لا يحتاج إلى نظر واستدلال، سواء كان محتاجًا إلى تنبيه أو كان غير محتاج إليه، والتصديق البديهي عندهم ينقسم بالتقسيم الأول إلى قسمين: الأول البديهي الجلي، والثاني البديهي الخفي.

والبديهي الجلي ينقسم عندهم إلى أربعة أقسام:

الأول: البديهي الأولى، وضابطه أنه كل قضية يحكم العقل بثبوت محمولها لموضوعها بمجرد تصورهما -أعني الموضوع والمحمول- من غير احتياج إلى واسطة أصلًا، كقولك: الواحد نصف الاثنين، والكل أكبر من الجزء، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، ونحو ذلك؛ فإن مجرد تعقلك للواحد والنصف والاثنين، وتعقلك للكل والعظم والجزء، وتعقلك للنقيضين وللارتفاع والاجتماع، يجعلك تحكم بثبوت المحمول للموضوع في الأمثلة الثلاثة المذكورة كما هو واضح من غير احتياج إلى شيء زائد.

القسم الثاني من أقسام البديهي الجلي: هو ما يسمونه البديهي الجلي الفطري، وضابطه أنه كل قضية يحكم العقل فيها بثبوت المحمول للموضوع بعد تصورهما بواسطة قياس اقتراني طبيعي،


(١) راجع ص ١٢، ١٥.