للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل في السؤال الحادي عشر]

وهو القادح المسمى في الأصول بالقول بالموجَب، وضابطه تسليم المعترض دليل الخصم مع بقاء النزاع، وذلك بجعل الدليل الذي سلّمه ليس هو محل النزاع، فلا يلزم من صحته وتسليمه صحةُ مذهب المستدِل به، كقوله -تعالى-: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: ٨]، فابن أبيٍّ في هذه الآية الكريمة استدل على أنه يُخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه من المدينة بأن الأعزَّ قادر على إخراج الأذل، والله -جل وعلا- سلّم له هذا الدليل مبينًا أنه لا ينفعه في محل النزاع؛ لأنه هو الأذل المقدور على إخراجه، وذلك في قوله -تعالى-: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ} الآية.

واعلم أن القول بالموجَب عند الأصوليين يقع على أربعة أوجه:

الوجه الأول: أن يرد لخلل في طرف النفي، وذلك أن يستنتج المستدِل من الدليل إبطال أمر يُتوهم منه أنه مبنى مذهبه، فلا يلزم من إبطاله إبطالُ مذهبه، وأكثر القول بالموجِب من هذا النوع.

كأن يقال في وجوب القصاص بالمثقل: التفاوت في الوسيلة من آلات القتل وغيره لا يمنع القصاص، كالمتوسل إليه من قتل أو قطع أو غيرهما: لا يمنع التفاوتُ فيه القصاص، فتفاوت الآلات ككونه بسيفٍ أو رمحٍ أوغيرِهما، وتفاوتُ القتل ككونه بحزِّ عنقٍ أو قطع عضو، وتفاوت القطع ككونه بحزّ المِفصل من جهةٍ واحدةٍ أو من جهتين، أو