للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَفهم أحد معنى العمى حتى يفهم معنى البصر؛ لأن معنى البصر جزء من معنى العمى؛ لأن معنى العمى مركب إضافي، والبصر أحد جزأيه، وهذا اللازم إنما هو في الذهن فقط، لا في الخارج؛ لأن العين التي اتصفت بالعمى انتفى عنها البصر ضرورة؛ لما بين العمى والبصر من التنافي؛ المعبر عنه بمقابلة العلم والملكة (١).

ومثال اللازم في الخارج فقط: دلالة لفظ الغراب على السواد؛ لأنه لا يوجد في الخارج غراب إلا هو متصف بالسواد، ولكن هذا لا يُفهم من فهم معنى الغراب؛ لأن من لم يرَ الغرابَ قط، ولم يخبره أحد بلونه قد يتصور أن الغراب طائر أبيض، فالسواد إنما يلزم الغرابَ في الخارج فقط، لا في الذهن، فدلالته عليه التزامية عند الأصوليين والبيانيين، وليست كذلك عند المنطقيين.

واعلم أن دلالة المطابقة وضعية بلا خلاف، وأما دلالةُ التضمن ودلالةُ الالتزام ففيهما لأهل العلم ثلاثةُ مذاهب:

الأول: أنهما وضعيتان أيضًا، وعلى هذا القول عامة المنطقيين، ووجهه أن سبب السبب سبب؛ لأن فهم المعنى المطابَقي هو سبب فهم جزئه في ضمن كله، وهو دلالة التضمن، وهو سبب فهم اللازم الخارج عن المسمى، وهو دلالة الالتزام، فلما كان وضع اللفظ سببًا لفهم المعنى المطابَقي، وفهمُ المعنى المطابقي سببًا في فهم الجزء في ضمن الكل، وفهم الخارج اللازم، صارت كل من التضمن والالتزام


(١) انظر ما يأتي ص ٤٦، ٤٥.