للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخصم الضال، بما فيه بالقوة الطرقُ المعروفة في المناظرة.

فالنمرود مثلًا ادعى الربوبية لنفسه، وأقام على ذلك دليلًا في زعمه، فقتل رجلًا وترك آخر وقال: أنا أحي وأميت؛ أي وكل من يحيى ويميت فهو الرب، ينتج له على زعمه الفاسد: أنا الرب.

فأبطل إبراهيم هذه الدعوى الباطلةَ التي هي كفرٌ بواحٌ بدليلٍ مقتضاه: أنت عاجز عن الإتيان بالشمس من المغرب، وكل عاجز عن ذلك فليس برب، ينتج: أنت لست برب.

فعارض دليله بدليل صحيح أنتج نقيض دعواه، فصح بطلانها بإثبات نقيضها كما تقدم إيضاحُه (١)، وأن قومه زعموا ربوبية الشمس والقمر والكواكب، واستدلوا على ذلك بأدلتهم الفاسدة، فأقام إبراهيم الدليلَ المنتجَ نقيضَ دعواهم، وحاصله: هذه آفلة، ولا شيء من الآفل برب، ينتج: هذه ليس واحد منها برب. وهو نقيض دعواهم، وبإثبات نقيضها يتحقق بُطلانها.

ولا شك أن حجة إبراهيمَ هذه مركبةٌ من مقدمتين: الأولى أفولها، في قوله في كل واحد منها: {فَلَمَّا أَفَلَ} [الأنعام: ٧٦] والثاني عدم ربوبية الآفل في قوله: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦)} [الأنعام: ٧٦].

واستنتاج هذه الدعوى المبطِلةِ دعوى الخصم سمّاه الله حجة، وأضافها إلى نفسه، وذكر امتنانه على إبراهيمَ بذلك في قوله بعد ذكر


(١) ص ٢٧٧.