للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالجواب أن هذا النوعَ ليس نقضًا للعلة بإجماع العلماء، وإنما هو تخصيص لحكمها؛ فالعرايا التي استثناها الشارع وأجاز فيها بيع الرطب بالتمر مخصِّصةٌ لعموم تحريم كل ما فيه المزابنة، فيخرج ما أخرجه الدليل المخصِّص، وتبقى العلة معتبرةً في غيره، مقتضِيةً لتحريم البيع فيه، كالشأن في كل مخصِّص.

ومن هذا النوع إيجابُ دية الخطأ على العاقلة، مع أن جناية الجاني الشخصِ علةٌ لوجوب الضمان عليه هو دون غيره، فالعلة هنا موجودة، وهي أن جناية الجاني علة لاختصاصه بالضمان دون غيره، وحكمُها متخلّف عنها؛ لأن الضمان هنا في جنايته على غيره (١)، وليس هذا نقضًا للعلة؛ لاستثنائه من قاعدة القياس.

ومن هذا النوع إيجاب صاع من تمر في لبن المُصرَّاة، مع أن علة إيجاب المِثْل في المِثْليّات موجودة، وهي التماثل، وقد تخلّف حكمها هنا عنها، وهو تخصيص لحكم العلة لا نقضٌ لها، وهذا النوع لا خلاف فيه أنَّه تخصيص لحكم العلة لا نقض لها، وهذا من فوائد ما نبهنا عليه غيره مرة، أنَّه ليس كل ما يبطل الدليلَ في البحث والمناظرة والمنطق يبطلُه في الأصول؛ لأن مقتضى قواعد البحث والمناظرة بطلانُ العلل المذكورة بالنقض، الذي هو تخلفُ مدلولها عنها كما تقدم إيضاحه، وهي في فن الأصول علل صحيحة خُصصت بأدلة منفصلة، كتخصيص العام بقصره على بعض أفراده بدليل.


(١) الجار والمجرور هنا متعلقان بالضمان المذكور أول الجملة.