للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكأن يقول الشَّافعي في المثال المذكور: حديث معمر بنُ عبدِ الله عند مسلم قال: كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الطَّعام بالطعام مثلًا بمثل" الحديث (١)، يدل بمسلك الإيماء والتنبيه على أن الطَّعم هو علة الرِّبَا في المطعومات. وقصدنا مطلق المثال لا مناقشة أدلة الأقوال.

والجواب عن منع وجود العلة في الفرع هو إثبات وجودها فيه، كقول الجمهور: الحرز في السرقة يتنوّع بتنوع المسروق، فالإصطبل مثلًا حرز للدواب وليس حرزا للدنانير، والصندوق حرز للدنانير وليس حرزًا للدواب، وبذلك التنوع يُعلم أن القبر حرز للكفَن؛ لأنه حرز مثله، فالعلة التي هي السرقة موجودة في الفرع الذي هو النباش.

وقد علمتَ أن المنع في الأصول كالمنع في البحث والمناظرة؛ لأن صاحب البحث والمناظرة يقول: أمنعُ مقدمةَ هذا الدليل مثلًا، والمعترضَ في الأصول يقول: أمنعُ حكمَ الأصل مثلًا، أو وجودَ العلة فيه، أو كونَها علة، أو وجودَها في الفرع.

وقد علمتَ مما مر أن القياس الأصولي راجعٌ للقياس المنطقي بالطريق التي أوضحناها سابقًا مرارًا (٢)، فإذا رددت قياس الأصول إلى القياس المنطقي علمت أن مواقع المنع الأربعةَ في القياس الأصولي راجعةٌ إلى منع مقدمات الدليل المنطقي.

فلو قال الشَّافعي مثلَا: يحرم الرِّبَا في التفاح قياسًا على البُر بجامع


(١) صحيح مسلم برقم (١٥٩٢).
(٢) راجع ص ٢٩١.