للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما كون الذات لا تعقل بدون الناطق، ولكن تعقل بدون الضاحك والكاتب فقد قالوا: لو فرضنا أن عاقلًا من العقلاء لم ير الإنسان ولم يتصورْه بحال، فسأل عنه من يعرفُه، فإن عرّفه له بأنه "جسم"، دخل في التعريف الحجر مثلًا، فإن زاد في التعريف أنه "نامٍ" دخل النبات والشجر، فإن زاد أنه "حساس" دخل الفرس مثلًا، فإن زاد أنه "ناطق" مثلًا انفصل عن غيره، وتميز عن كل ما سواه.

والنطق في الاصطلاح عند المنطقيين: "القوة العاقلة المفكرة التي يُقتدر بها على إدراك العلوم والآراء"، وليس المراد به عندهم الكلام.

وإن قال: هو "منتصب القامة يمشي على اثنتين"، دخل الطير، فإن زاد "لا ريش له" دخل منتوفُ الريش من الطيور وساقطُه، فإن زاد "ناطق" حصل التمييز والإدراك.

فإن قيل: كذلك يحصل التمييز والإدراك فيما لو قال: إنه ضاحك"، أو "كاتب"؛ لأنه لا يشاركه غيره في الضحك والكتابة؟

فالجواب أنهم يقولون: الضحك "حالة تعرض عند التعجب من أمر بعد أن تتفكر فيه القوة الناطقة"، والكتابة "نقوش على هيئات ومقاديرَ معلومةٍ لا تحصل إلا بتفكير القوة الناطقة"، فظهر أن الضحك والكتابة فرعان عن النطق، لا يوجدان إلا تبعًا له, ولا يُعقلان إلا تبعًا له، فلم تُعقل حقيقة الإنسان دون النطق، بخلاف الضحك، والكتابة، فإن الحقيقة تُعقل بدونهما، كذا قالوا!

وأما الفرق الثاني -الذي هو كون الذاتي لا يعلل، والعرضي