أولها: أنه ليس في الأمر بالشيء بعد النهي عنه إلا ما في تحريك الجسم بعد تسكينه، وتبييضه بعد تسويده، وإذا كان تحريك الشيء بعد تسكينه جائزاً، وجب أن يكون الأمر بالشيء بعد النهي عنه جائزاً، وهذا هو النسخ.
ثانيها: أنا نعلم اختلاف المصلحة باختلاف الأزمان، فلا يمتنع أن يأمر الله تعالى بالفعل في زمان لعلمه سبحانه أن العباد لهم مصلحة فيه في هذا الزمان، ثم ينهاهم عنه ويحرمه عليهم في زمن آخر؛ لأن مصلحتهم في الزمن الثاني تقتضي ذلك، كما يفعل الطبيب بالمريض؛ حيث يأمره باستعمال دواء خاص في بعض الأزمنة، وينهاه عنه في زمن آخر.
ثالثها: أنه إذا جاز أن يخلق الله تعالى خلقاً على صفة ثم ينقله إلى صفة أخرى، فخلقه الله تعالى طفلاً ثم نقله إلى الشباب، ثم إلى الكهولة ثم إلى الشيخوخة ثم إلى الموت بدون اختيار للعبد، ولم يكن ذلك قبيحاً في شرع ولا عقل، فإنه يجوز أن يكلف الله خلقه بعبادة ثم ينقلهم عنها.
* * *
المسألة السادسة:
النسخ جائز شرعاً لأمرين:
أولهما: وقوعه في الشريعة، حيث نسخ وجوب التربص حولاً كاملاً عن المتوفى عنها زوجها بالتربص أربعة أشهر وعشراً، ونسخ صوم يوم عاشوراء بصوم رمضان، ونسخ وجوب التوجه إلى بيت المقدس إلى التوجه إلى الكعبة، والوقوع دليل الجواز.