النوع الخامس: الاستحسان بالقياس الخفي، وهو: العدول عن حكم القياس الظاهر المتبادر فيها إلى حكم آخر بقياس آخر، وهو: أدق وأخفى من الأول، لكنه أقوى حجة، وأسدّ نظراً، وأصح استنتاجاً منه.
مثاله: أن من له على آخر دين حال من دراهم فسرق منه مثلها قبل أن يستوفيها فلا تقطع يده.
لكن إذا كان الذين مؤجلاً، فالقياس يقتضي قطع يده إذا سرق مثلها قبل حلول الأجل؛ لأنه لا يباح له أخذه قبل الأجل، لكن عدل عن هذا الحكم إلى حكم آخر، وهو: أن يده لا تقطع؛ لأن ثبوت الحق - وإن تأخرت المطالبة - يصير شبهة دارئة، وإن كان لا يلزمه الإعطاء الان، فعدم قطع اليد هنا ثبت استحساناً.
* * *
المسألة الثالثة:
الاستحسان بذلك التعريف حجة باتفاق العلماء؛ حيث لم ينكره أحد، وإن اختلف في تسميته استحساناً، فبعضهم سماه بهذا الاسم، وبعضهم لم يسمه بذلك، وهو في الجملة راجع إلى العمل بالدليل القوي الذي ترجح بذلك على ما هو أضعف منه، وهذا لا نزاع فيه.