أولهما: إجماع الصحابة السكوتي؛ حيث قبل أبو بكر - رضي الله عنه - خبر المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة في أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أعطى الجدة السدس، وأن عمر قبل خبر حمل ابن مالك وهو قوله:" كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنينها بغرة عبد أو أمة وأن تقتل "، وقبل عمر خبر عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال - في المجوس -: " سنُّوا بهم سنة أهل الكتاب ".
وقبل الصحابة خبر عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل "، وقبل ابن عباس خبر أبي سعيد الخدري في الصرف وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل"، فحرم بذلك ربا الفضل وربا النسيئة، وقال ابن عمر: كنا نخابر أربعين سنة لا نرى في ذلك بأساً حتى أخبرنا رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المخابرة، وغير ذلك.
وهذه الأخبار وإن لم تتواتر آحادها إلا أنها بمجموعها أفادتنا علماً يقينياً لا يقبل الشك أن الصحابة كانوا يقبلون خبر الواحد ويعملون به، ويتركون ما خالفه، دون إنكار من أحد؛ إذ لو وجد إنكار لبلغنا كما بلغتنا تلك الأخبار، فلما لم يبلغنا إنكار على العمل بتلك الأخبار دل هذا على إجماع الصحابة على العمل بخبر الواحد.
ثائيهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث آحاد الصحابة إلى البلاد، كبعثة مصعب بن عمير إلى المدينة، وعتاب بن أسيد إلى مكة، وإرساله علياً ومعاذاً إلى اليمن، ليعلِّموا أهل تلك الديار الأحكام