للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبل ذلك محضرًا في باب المعزول القاضي شمس الدين بن جلال، وولاية القاضي ناصر الدين بن صالح لنصف مشيخة المسجد النبوي مع غيرها من الوظائف من الروم، ثم عزله عنها بعد سفره بمدة يسيرة بسعي عبد الشيخ المعزول. واجتمعا بمصر فتوقف الشافعي عن التوجّه لبلده حتى يعود إلى الروم وينظر في أمره. وسبب ذلك عدم معرفة أركان الدولة بأحوال الناس، فلله الأمر. وأعظم من ذلك عزل قاضي مكة الشافعي وابن قضاتها بأكثر من ستين سنة .... (١) نحو مائة وعشرين سنة بمن كان شاهدًا عند أبيه وجدّه ولم يُحمَد في سيرته الشيخ نور الدين علي بن ناصر النجار أبوه البلبيسي الأصل المكي (٢) مع كبر سِنّهِ واختلاطه في أمره. ويقال إنّ السبب في ذلك شكوى بعض الناس من القاضي الشافعي الصلاحي بن ظهيرة عند الوزراء بالروم فعزل منها وأرسل بذلك إلى نائب الديار المصرية فسأل عن العلماء بمكة فعُيّن له المتقدم ذكره ففوّض إليه القضاء وجعل له مبلغًا من عنده لفقره، يقال نحو ثلاثمائة دينار، مع جعل معلوم الذخيرة للقاضي الشافعي له وهو ثلاثمائة أخرى. فلما جاء الخبر له بذلك فرح به وانبسط بسماعه، وكان الناس يظنونه بخلاف ذلك، فإنه كان يُظهر التقشّف والزهد في الدنيا وإظهار المسكنة. لكن الظلم كمين في النفس، الضعف يُخفيه والقدرة تُظهره، وصار عند الناس ضحكة بقبوله لذلك والعقلاء يبكون من أفعال هذه المسالك. ولله بعض الشعراء حيث قال في هذا المثال:

أمورٌ يَضحك السفهاء منها … ويبكي من عواقبها اللبيب

وشمتَ بعض الناس بعزل القاضي المفصول وقال فيه أبياتًا يحمد الله على عزله


(١) بياض بمقدار أربع كلمات بالأصل.
(٢) انظر مصادر ترجمته في معجم المؤلفين لكحالة ٧: ٢٥٢.