ابن ظهيرة لتهنئته بالشهر وغير ذلك. وعزم القاضي الشافعي الجديد لأمير الحاج المصري لمنزله في المدرسة الأشرفية القايتبائية وحضر معه القضاة الثلاثة المتولون (١) وجلسوا على ميْسرة أمير الحاج وهو على ميمنته وتخلّف الشريف وأولاده عن الحضور يقال بواسطته. والذي يظهر أنّ أمير الحاج طلب حضور الشريف بركات بنفسه فامتنع من ذلك لتخيّلِهِ الشر هناك منه، وعادته يرسل أولاده فيلبسهم خلعة فلم يتفق ذلك. وقرئ في المجلس مرسوم للقاضي الجديد وفيه الشكر منه والعلم والدين وولايته لقضاء الشافعية عوض مَن كان قبله من غير تعرّض لقضاء جدة ونظر المسجد الحرام. فاستقبل القاضي القبلة عند سماع ذلك وسجد شكرًا الله تعالى لولايته لمنصب القضاء، فَمَقَتَه جميع مَن حضر المجلس وكذا من سمعه. وكان السلف الصالح يكرهون التلبّس بالقضاء ويستحيون بسببه وهو فرح، فلا حول ولا قوة إلا بالله تعالى.
وقُرئ في المجلس مرسوم مطلق للشريف والحكام بمكة وتوصيتهم بالأوقاف وعمارتها وتنْزيه المسجد الأقذار والبدع. وبعد ذلك لبس القاضي الجديد خلعة قفطان مدنّر، وخرج من عند أمير الحاج وصحبته القضاة الثلاثة وهم حاجبون له ففارقه الحنفي والمالكي من باب المدرسة وتوجّه الحنبلي معه إلى مجلسه بباب السلام وذلك لتشويشه من قريبه القاضي المفصول. وسجد المتولي بعد وصوله إلى منزله سجدة شكر ثانية فمُقِتَ لها أيضًا وبالله المستعان. وهنأه قليل من الناس بولايته واغتمّ لها كثير منهم، وتوجّه بعد لبْسه للشريف بركات صاحب البلاد للسلام عليه فمنعه من الدخول إليه ازدراء به.