وخطب في المولد الشهابي أحمد ابن الوجيه عبد الرحمن ابن الشيخ إدريس ابن عبد القوي كعادة سلفهم في تقدم أصغر أولادهم، ودعا للسلطان وصاحب مكّة والناظر على العادة، ثم وقع مطر والقضاة في المولد الشريف فخففوا الزيارة ثم عادوا إلى المسجد الحرام وهم مسرعون خائفون من المطر فسلّمهم الله تعالى إلى أن دخلوا المسجد، ووضعوا المفرعات بالرواق الشمالي أمام باب العباس فقوي المطر، وأمن الناس الضرر والحمد لله، وهذا من النوادر.
وكانت ساعة مباركة تُرجى فيها البركة ودعا هنا الرئيس الصغير عبد السلام لولاة الأمور، فتمّ الخير والسرور. ولقد رأيت شيخ شيوخنا الحافظ المقرئ شمس الدين محمد بن الجزري، رحمه الله تعالى، ذكر في تأليفه "التعريف بالمولد الشريف"(١) أنه لا زال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده ﵊ ويعملون الولائم لذلك ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور ويزيدون في المبرات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر من بركاته كل فضل عميم.
ومما جُرِّب من خواصه أنه أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة لنيل البغية والمرام، وأكثرهم بذلك عناية أهل مصر والشام، وللسلطان في تلك الليلة مقام، يقوم فيه أعظم قيام.
ثم ذكر حضوره ليلة المولد الشريف سنة خمس وثمانين وسبعمائة (٧٨٥ هـ) عند سلطان مصر الظاهر برقوق في قلعة الجبل وما شاهده من القراء والخلع، وما فعله ملوك الغرب من الليلة التي تسير بها الركبان، ويجتمع فيها أئمة العلماء من كل مكان، وتعلو بها بين أهل الكفر كلمة الإيمان. وكان للملك المظفر صاحب إربل بذلك أتم عناية، واهتمام جاوز الغاية، أثنى عليه لذلك العلامة أبو شامة
(١) كتاب التعريف بالمولد الشريف لابن الجزري، ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ص ٤٢١.