للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللحم بكبير، والرطل والنصف من العنب بكبير في جميع أيام الصيف، واللبانة رطل وربع بكبير، وغير ذلك من الألوان واشتد الحر مع وجود الغيم وعدم الغيث. فالله تعالى يغيثنا به ويرخّص أسعارنا ويؤمننا في أوطاننا.

وفي ليلة السبت رابع الشهر سافر من مكة إلى بلاد الطائف رئيس الروم وعالمها قاضي العسكر الرميلي - كان - الدين جلبي ابن قاضي العسكر الجمالي يوسف بن علي الشهير بابن الغباري الحنفي، عامله الله بلطفه الخفي. وكان جسده متوعكا لشدة الحرارة بمكة. واكترى ثلاثين جملًا له ولأتباعه لوصف الطائف له بالطراوة وصحة الهواء. فالله تعالى يعافيه ويبلغه ما يهوى. وكنتُ من المترددين إليه وأكثر من الثناء عليه لملاقاته لي بالإكرام والمحبة والاحترام. وكان كثير العبادة مع بُعده عن الناس وتقشفه في اللباس، واحترازه في الطهارة، أعلى الله مناره. وبعد سفره كثرت الآلام وتعددت الأموات بجدة وبلد الله الحرام.

وبلغني أنّ عدة من يموت بجدة في كل يوم أزيد من عشرين نفسًا وبمكة نحو نصفهم، فكان كل من مات بجدة الضعفاء يدفن بها، ومن الأكابر يحمل إلى من مكة على أعناق الرجال ببذل كثير من المال. فكان أول من حُمل منها تاجر رومي يقال له صفر الصباغ، خلّف أولادًا صغارًا جعل جدهم لأمهم وصيًا عليهم، وغسل في بيته وصلي عليه في المسجد الحرام في نصف الشهر ودفن بالمعلاة. ثم رومي ثان بعد يومين اسمه علي الخنجري وأنْتنَ ريحه وغسل وقت الصلاة عليه ودفن بالمعلاة في الشعب الأقصى، رحمه الله تعالى وإيانا وجميع المسلمين.

وفي ضحى يوم الثلاثاء رابع عشر الشهر ماتت الشابة الأصيلة زينب ابنة العلامة القاضي عز الدين الفائز بن ظهيرة القرشية المخزومية وأم أولاده (١) الأربعة وهم ذكران وبنتان، وعمرها نحو عشرين سنة. فجهّزت في يومها وصلّى عليها في


(١) كذا بالأصل، والظاهر أن اسم الزوج سقط من النص قبل قوله "وأم أولاده".