للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبيد الله استصغر أمره، واستحقره فى عينه؛ فلما قرب من المكان الذى فيه عبيد الله، احتاط به من العساكر نحو عشرة آلاف رجل من السودان، وفى أيديهم الحراب.

فلما دخل ملك النوبة على الأمير عبيد الله، أحاط ذلك العسكر بالمكان، فلما وقعت عين ملك النوبة على الأمير عبيد الله، بادر إليه وقبّل يده، فأشار إليه عبيد الله بأن يجلس على تلك المرتبة التى صنعها له، فأبى ملك النوبة أن يجلس عليها، فقال عبيد الله للترجمان: «لم لا يقعد الملك على تلك المرتبة التى صنعتها له»؟ فقال له الترجمان ذلك، فقال ملك النوبة: «قل له، كل ملك لا يكون متواضعا لله، فهو جبّار عنيد».

ثم إنّه جلس بين يدى الأمير عبيد الله، وجعل ينكث بأصبعه فى الأرض طويلا، ثم إنّه رفع رأسه إلى الأمير عبيد الله، وقال للترجمان: «قل له كيف سلبتم من ملككم، وأخذ منكم، وأنتم أقرب الناس إلى نبيّكم»؟ فقال الأمير عبيد الله للترجمان: «قل له إنّ الذى سلب منا ملكنا أقرب إلى نبيّنا منا».

ثم سكت ملك النوبة ساعة، وقال للترجمان: «قل له فكيف أنتم تلوذون إلى نبيّكم بقرابة، وأنتم تشربون ما حرّم عليكم من الخمر، وتلبسون الديباج، وهو محرّم عليكم، وتركبون فى السروج الذهب والفضّة، وهى محرّمة عليكم، ولم يفعل نبيّكم شيئا من هذا؟ وبلغنا عنك لما ولّيت مصر، كنت تخرج إلى الصيد، وتكلّف أهل القرى ما لا يطيقون، وتفسدون الزروع على الناس، وتروم الهدايا والتقادم من أهل القرى، وكل هذا لأجل كركى تصيده، قيمته سبعة أنصاف، وهذه بدع اخترعتموها من أنفسكم».

وصار ملك النوبة يعدّد على الأمير عبيد الله جملة من الذنوب، وهو ساكت لا يتكلّم، ثم قال ملك النوبة: «ولما استحللتم ما حرّم الله عليكم، سلبتم ملككم، وأخذ منكم، وأوقع الله بكم نقمة لم تبلغ غايتها عنكم، وأنا أخاف على نفسى، إن أنزلتك عندى، فتحلّ بى تلك النقمة التى حلّت بكم، ولكن ارحل عن أرضى بعد