للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأن الخزائن خالية من المال، فإن المماليك ثائرة بسبب النفقة وقد كثر العسكر من سائر الطوائف ما بين ظاهرية وأشرفية وأينالية وخشقدمية وقايتبايهية وناصرية ومماليك الظاهر قانصوه ومماليك الأشرف جانبلاط ومماليك العادل طومان باى ومماليك النواب والأمراء الذين قتلوا ممن تقدم ذكرهم، وقد صار كل أحد منهم يروم له رزقا، وأن الملك الناصر بن الأشرف قايتباى فرّق الأقاطيع التى كانت فى الذخيرة جميعا فمن أين أسدّ هؤلاء المماليك.

فلما كان يوم الاثنين سادس عشرين ذى الحجة اجتمع الأمراء عند السلطان فى الدهيشة وضربوا مشورة فى ذلك اليوم، وأقاموا فى القلعة إلى بعد العصر، فلما نزلوا أشيع بين الناس أن السلطان يقصد يخرج أوقاف الجوامع والمدارس ويبقى لهم ما يقوم بالشعائر فقط، وأنه يفرّق بلاد الأوقاف بمثالات على الأمراء والمماليك، فلما بلغ الناس ذلك اضطربت الأحوال وكثرت فى ذلك الأقوال.

[ثم دخلت سنة سبع وتسعمائة]

فيها فى المحرّم صعد الخليفة المستمسك بالله أبو الصبر يعقوب والقضاة الثلاثة وهم برهان الدين بن أبى شريف الشافعى وعبد الغنى بن تقى المالكى والشهاب أحمد الشيشينى الحنبلى، وتأخر قاضى القضاة الحنفى عبد البرّ بن الشحنة، ولكن طلع فيما بعد، فلما طلعوا إلى القلعة ليهنّوا السلطان الملك الأشرف قانصوه الغورى بالعام الجديد تكلم مع القضاة فيما تقدّم ذكره فى أمر (١) الأوقاف، فلم يوافق القاضى الشافعى على ذلك ولا القاضى المالكى ولا الحنبلى، ثم إن القاضى الحنبلى أغلظ على السلطان فى القول فانحرف منه وقال له: إذا ركبوا المماليك وطلبوا منى نفقة أنا أبعثهم لك فى بيتك كلمهم مثل ما تعرف، فانفض المجلس مانعا ونزل القضاة إلى دورهم على غير رضا من السلطان، ثم طلع القاضى الحنفى عبد البرّ إلى السلطان فى أواخر النهار فتكلم معه فى ذلك فمشى عبد البرّ فى غرض السلطان


(١) أمر: الأمر.