فلما عاد الأمير بيبرس الدوادار، والأمير بهادر آص، من عند الملك الناصر، وجدا الملك المظفر قد توجّه إلى نحو أطفيح، فأرسلا له الأمان وهو فى أطفيح؛ فكانت مدّة غيبة الأمير بيبرس الدوادار، والأمير بهادر آص، سبعة أيام، وعادا بالأمان إلى الملك المظفر.
ثم إنّ الملك الناصر خرج من غزّة، وجدّ فى السير، فوصل إلى خانقة سرياقوس ليلة عيد الفطر، فبات هناك، وصلّى صلاة العيد، فخرج إليه القضاة الأربعة والأمير سلار، النائب، وسائر الأمراء، فلما مثلوا بين يديه باسوا له الأرض، ودخلوا فى خدمته.
[ذكر عود الملك الناصر محمد بن قلاون إلى السلطنة]
وهى السلطنة الثالثة، دخل إلى القاهرة يوم الخميس ثانى شوّال سنة تسع وسبعمائة، فزيّنت له القاهرة، وحملت على رأسه القبّة والطير، لكن طلع من الترب، ففرشت له الشقق الحرير من رأس الصوّة إلى القلعة، فطلع من باب السلسلة، وجلس فى المقعد الذى بالاصطبل السلطانى، وقدّامه الأوزان والشبابة السلطانية، وكان يوما مشهودا، وفى ذلك يقول الصلاح الصفدى:
تثّنى عطف مصر حين وافى … قدوم الناصر الملك الخبير
وذلّ الجشنكير بلا قتال … وأمسى وهو ذو جأش نكير
إذا لم تعضد الأقدار شخصا … فأول ما يراع من النصير
فلما جلس بالمقعد، حضر الخليفة المستكفى بالله سليمان، والقضاة الأربعة، وهم:
قاضى قضاة الشافعية بدر الدين بن جماعة، وقاضى قضاة الحنفية شمس الدين السروجى، وقاضى قضاة المالكية زين الدين بن مخلوف النويرى، وقاضى قضاة الحنابلة سعد الدين الحارثى؛ وحضر كاتب السرّ شرف الدين بن فضل الله العمرى، وحضر الوزير ضياء الدين النشاى.