للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما تكامل المجلس، التفت الملك الناصر إلى القاضى بدر الدين بن جماعة، وقال له: «كيف تفتى بأنّى خارجى، ويجب قتالى»؟ فحلف القاضى بدر الدين بالطلاق ثلاثة، أنّه ما علم أنّ السؤال عن السلطان، وإنما الفتوى على مقتضى كلام المستفتى.

ثم إنّ الخليفة بايعه بالسلطنة، وأحضرت له خلعة السلطنة، وهى جبّة سوداء بعذبة زركش، وعمامة سوداء مدوّرة، وسيف حمائلى.

فركب من باب السلسلة والأمراء قدّامه مشاة، حتى طلع إلى القلعة، وجلس على سرير الملك، وباس له الأمراء الأرض، ونودى باسمه فى القاهرة، وضجّ له الناس بالدعاء، ودقّت له البشائر.

ثم أخلع على الخليفة، ونزل [إلى] (١) بيته؛ وأخلع على النوّاب الذين (٢) حضروا معه خلع الاستمرار، وأخلع على القضاة الأربعة، وأرباب الدولة من المتعمّمين والأمراء.

ثم بعد انفضاض الموكب، طلع إليه الشيخ شمس الدين بن عدلان، فاستأذن فى الدخول عليه، فأرسل يقول له: أنت أفتيت أنّه خارجى وقتاله جائز، مالك عليه دخول، فقد كفانى فيك وفى ابن المراحلى قول الأديب شهاب الدين السارساحى، حيث قال:

ولّى المظفر لما فاته الظفر … وناصر الحقّ وافى وهو منتصر

وقد طوى الله من بين الورى فتنا … كادت على عصبة الإسلام تنتشر

فقل لبيبرس إنّ الدهر ألبسه … أثواب عارية فى طولها قصر

لما تولّى، تولّى الخير من أمم … لم يحمدوا أمره فيها ولا شكروا

وكيف تمشى به الأحوال فى زمن … لا النيل أوفى ولا وافاهم مطر

ومن يقوم ابن عدلان بنصرته … وابن المرحل قل لى كيف ينتصر

قال السبكى: وكلهم مظلومون مع الملك الناصر، فإنهم أفتوا بالحقّ، ولكن أين من يقضى على نفسه، ولو بالحقّ.

وفى أثناء ذلك اليوم، دخل الأمير سلار، النائب، على السلطان وباس الأرض،


(١) [إلى]: تنقص فى الأصل.
(٢) الذين: الذى.