للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جهات برّ وصدقة، وكان طاهر الذيل عن الزنا واللواط، لكنه كان صعب الخلق، شديد الغضب، إذا غضب على أحد لم يرض (١) عنه أبدا، ويقف عند حظّ نفسه، ولا يطلق له مسجون قط؛ وبالنسبة (٢) إلى غيره كان خيار نوّاب الشام مطلقا، وكان محبّبا لأهل دمشق، انتهى ذلك من أخباره.

[ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وسبعمائة]

فيها تزايدت عظمة الملك الناصر، وصفا له الوقت، وكثرت مماليكه، حتى صار راتبه وراتب مماليكه فى كل يوم، من اللحم الضأن ستة وثلاثين ألف رطل؛ وبالغ فى مشترى المماليك حتى بلغ عدّة مشتراواته اثنى عشر ألف مملوك (٣).

وهو أول من اتّخذ الشاش والقماش للعسكر، والسيوف المسقطة بالذهب والفضّة، والحوايص الذهب، والطرز الزركش، والريش، والأقبية المفتوحة المفرّاة بالقاقم والسنجاب.

وهو أول من رتّب المواكب بالقصر الكبير، وشرب السكّر بعد السماط، ورتّب وقوف الأمراء فى المواكب على قدر منازلهم فى الوظائف، وكذلك المباشرين، ورتّب بيات الأمراء بالقصر ليالى المواكب؛ ورتّب أشياء كثيرة من نظام المملكة، وهى باقية إلى الآن، ومشى عليها من جاء من بعده من الملوك على ذلك النظام.

وقد طالت أيامه فى السلطنة بخلاف من تقدّمه من الملوك، وصفا له الوقت، وصار غالب الأمراء والنوّاب مماليكه ومماليك أبيه؛ ولا يعلم لأحد من الملوك آثار مثله، ولا مثل مماليكه، حتى قيل، قد تزايدت فى أيامه بالديار (٤) المصرية، والبلاد الشامية، من العمائر مقدار النصف، من جوامع وخوانق وقناطر وجسور وخلجان، وغير ذلك من العمائر بالقلعة وغيرها.


(١) لم يرض: لم يرضا.
(٢) وبالنسبة: وبالنسبت.
(٣) مملوك: مملوكا.
(٤) بالديار: الديار.