للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشيخ سيف الدين أبو بكر بن أسد فى تاريخه: لقد وقفت على تواريخ الملوك السالفة، فما سمعت لأحد من الملوك مثل أخبار الملك الناصر محمد بن قلاون، وما وقع له من الوقائع الحسنة، فإنّه خطب له فى أماكن، لم يخطب فيها لأحد من الملوك غيره، وكاتبوه سائر الملوك من مسلم وكافر، وهادوه، وصار جميع العسكر، من كبير وصغير، فى قبضته؛ وفيه يقول الشيخ صفى الدين الحلّى من قصيدة:

الناصر السلطان قد خضعت له … كل الملوك مشارقا ومغاربا

ملك يرى تعب المكارم راحة … ويعدّ راحات الفراغ متاعبا

يرجى مكارمه ويخشى بطشه … مثل الزمان مسالما ومحاربا

فإذا سطا ملأ القلوب مهابة … وإذا سخا ملأ العيون مواهبا

ولم يزل الملك الناصر محمد قائما على سرير ملكه حتى مرض وسلسل فى المرض، ومات على فراشه، فكانت وفاته فى ليلة الخميس فى العشرين من ذى الحجّة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، فمات وله من العمر نحو ثمانية وخمسين سنة.

فلما مات دفن بعد العشاء على والده قلاون، داخل القبّة المنصورية، وكانت له جنازة مشهودة، وكثر عليه الأسف والحزن من الناس، «إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخّر»، كما قيل:

حكم المنية فى البرية جارى … ما هذه الدنيا بدار قرار

ومكلّف الأيام ضد طباعها … متطلّب فى الماء جذوة نار

طبعت على كدر وأنت تريدها (١) … صفوا من الأقدار والأكدار

ليس الزمان وإن حرصت مسالما … طبع الزمان عداوة الأحرار

وإذا رجوت المستحيل فإنما … تبنى الرجاء على شفير هار

فالعيش نوم والمنية يقظة … والمرء بينهما خيال سار

وكانت مدّة سلطنة الملك الناصر محمد بالديار المصرية، والبلاد الشامية، ثلاثة وأربعين سنة وثمانية أشهر وأيام، وذلك دون خلعه من السلطنة، وقد خلع


(١) تريدها: تديرها.