للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جملة موجود الملك المنصور لاجين، فصار من مماليك الناصر محمد بن قلاون، فأخرج له خيلا وقماشا، وجعله خاصكيّا، ثم بقى أمير عشرة، ثم بقى أمير طبلخاناة، ثم بقى مقدّم ألف، كل ذلك فى دولة الملك الناصر.

فلما راج أمر تنكز جعله الملك الناصر نائب الشام فى سنة اثنتى عشرة وسبعمائة، عوضا عن الأمير آقوش الأفرم؛ واستمرّ تنكز فى نيابة الشام ثمانية وعشرين سنة، وهذا لم يتّفق لأحد قبله من النوّاب، فعظم أمره، وكثرت أمواله.

وكان له عند السلطان منزلة عظيمة، حتى كان يكاتبه فى المراسيم: «أعزّ أنصار المقرّ الكريم العالى»، وزاده فى الألقاب عن العادة، وكان السلطان لا يفعل شيئا من أمور المملكة حتى يرسل يشاور تنكز عليها.

وكان تنكز يزور السلطان فى كل سنة مرّة، وصحبته الهدايا والتقادم الحفلة، ويقيم بمصر أياما، ثم يخلع عليه، ويمضى إلى الشام؛ واستمرّ على ذلك، حتى وقع بينه وبين السلطان، وعادت المحبّة بغضة، وتغيّر خاطر السلطان عليه، ودبّت بينهما عقارب الفتن، فأرسل قبض عليه.

قيل، سئل بعض الحكماء: «ما السبب أن تستحيل المحبّة بغضة، ولا تستحيل البغضة محبّة»؟ فأجاب: «إنّ خراب العامر، أسهل من عمارة الخراب، وكسر الزجاج، أسهل من تصحيحه»، وقال الشاعر:

لا تقبح بعد هجرك لى … تحسب أنى بالجفا أرضه

الولاية بعدها عزلان … والمحبّة بعدها بغضة

وقال سفيان الثورى: «لا تقرب السلطان إلا كما تقرب الأسد، فإن طاوعته أتعبك، وإن خالفته أعطبك».

وكان صفة الأمير تنكز، أسمر اللون، خفيف العوارض، طويل القامة، حسن الشكل، وافر العقل، سديد الرأى، حسن السياسة فى أحكامه؛ وكان ديّنا خيّرا، كثير البرّ والمعروف، فمن ذلك أنه أنشأ خانقاة بمصر تحت الجبل الأحمر، بالقرب من قبّة الهواء، وأنشأ له جامعا (١) بدمشق، وله غير ذلك أوقاف (٢) كثيرة على


(١) جامعا: جامع.
(٢) أوقاف: أوفاق.