للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم حضر الأمير تنكز، نائب الشام، صحبة الأمراء، وهو مقيّد، فلما حضر إلى الخطارة، رسم السلطان بأن يتوجّهوا به من هناك إلى السجن بثغر الإسكندرية، فمضوا به إلى السجن من هناك.

فلما سجن أقام فى السجن أربعين يوما وهو مقيّد، ثم إنّ السلطان رسم بخنقه، فأرسل إليه الحاج إبراهيم بن صابر، مقدّم الدولة، فخنقه وهو بالسجن؛ فلما مات غسّلوه وكفّنوه وصلّوا عليه، ودفنوه بثغر الإسكندرية؛ فذهبت روحه، وأخذ ماله، وتخلّى عنه سلطانه، وقد قيل فى المعنى:

لا فهم فى الدنيا لمستيقظ … يلمحها بالفكرة الباصرة

إن كدّرت عيشته ملّها … وإن صفت كدّرت الآخرة

وقال بعض الحكماء: «ثلاثة لا يؤمن (١) إليهم: المال وإن كثر، والملوك وإن قربوا، والمرأة وإن طالت صحبتها».

واستمرّ تنكز مدفونا بثغر الإسكندرية مدّة يسيرة، ثم إنّ بعض الأمراء شفع فيه بأن ينقل جثّته إلى دمشق، ويدفن فى مدرسته التى أنشأها بدمشق، فرسم السلطان بنقله من الإسكندرية إلى دمشق، فنقل فى أواخر سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ودفن بدمشق، وفيه يقول الصلاح الصفدى:

إلى دمشق نقلوا تنكزا … فيالها من آية ظاهرة

فى جنة الدنيا له جثة … وروحه فى جنة الآخرة

وقوله فيه أيضا:

فى نقل تنكز سرّ … أراده الله ربّه

أتى (٢) به نحو أرض … يحبّها وتحبّه

وكان أصل تنكز من مماليك الملك المنصور لاجين، ولهذا كان تنكز يدعى بالحسامى، فلما قتل المنصور لاجين، وعاد الملك الناصر إلى السلطنة، أخذ تنكز من


(١) يؤمن: يأمن.
(٢) أتى: أتا.