فى هذه الحركة، ولم يعلم باطن الأمر فى حقيقة ذلك، فصار السلطان ينفى كل قليل جماعة من الأينالية (١) ومن مماليكه، واستمرّ الأمر على ذلك.
فلما خرج الحاج من القاهرة، ورحل المحمل من بركة الحاج، نزل السلطان من القلعة فى يوم الخميس ثالث عشرين شوال، ولم يشعر بسفره أحد من الناس، فخرج على حين غفلة، فسافر معه بعض أمراء عشرات، منهم يشبك الجمالى الزردكاش وآخرون من الأمراء من أخصائه، وعدّة وافرة من الخاصكية والمماليك السلطانية، وجماعة من المباشرين، منهم أبو البقا بن الجيعان، وغير ذلك من الأعيان، منهم برهان الدين بن الكركى الإمام؛ فخرج السلطان من بين الترب، وسافر بعد صلاة الظهر، فنزل معه الأتابكى أزبك، ويشبك الدوادار، فودّعاه ورجعا من أثناء الطريق، فأوصاهما السلطان بحفظ الرعية، ثم سار على ظهر للبويب، ولم يتوجّه معه أحد من الأمراء المقدّمين، فعدّ سفره على هذا الوجه من النوادر.
وفى ذى القعدة رسم الأمير يشبك الدوادار ليشبك من حيدر والى القاهرة بأن يتحدّث فى الحسبة، عوضا عن يشبك الجمالى، بحكم سفره مع السلطان، وكان الأمير يشبك الدوادار هو المشار إليه فى غيبة السلطان. - وفى هذا الشهر شرع الأمير يشبك الدوادار فى بناء القبّة التى أنشأها فى رأس دور الحسينة، وأخرب عدة ترب كانت هناك، ثم أنشأ بهذا المكان غيطان ومجارى وسواقى، وقصد أن يجعله من جملة مفترجات القاهرة، ولو عاش لفعل ذلك، فجاءت القبّة من محاسن البناء فى ذلك المكان.
وفى ذى الحجة كان انتهاء عمارة الربع الذى أنشأه السلطان بحدرة الكبش، وكان الشاد على العمارة نانق المؤيدى أحد العشرات. - وفيه قدم مبشّر الحاج، وهو شخص من الخاصكية يقال له أسنباى، وقد استمرّ اسمه بالمبشّر بعد ذلك، فأخبر بسلامة السلطان، وأنه دخل إلى مكة فى موكب حافل، وكان له يوم مشهود، ولاقاه أمير مكة من مسيرة يومين، وأنه تصدّق على فقراء مكة بخمسة آلاف دينار، ووقع منه