للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للمدين المماطل (١)؛ لقوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾ (٢)، وقد فُسر معنى ﴿إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾ أي: ملازمًا ومصاحبًا له (٣)، وقد جاء عن كعب بن مالك : "أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ دَيْنٌ، فَلَقِيَهُ، فَلَزِمَهُ فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَمَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ فَقَالَ: «يَا كَعْبُ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: النِّصْفَ، فَأَخَذَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ وَتَرَكَ نِصْفًا" (٤)، فقد لزم كعب بن مالك غريمه، وأقرّه النبي على ذلك ولم ينكر عليه، فدل ذلك على جواز ملازمة الدائن لمدينه المماطل (٥)، ولا يعني ذلك أن تكون الملازمة بشكل دائم بل إنه يلازمه إذا رآه ذاهبًا للمسجد أو للسوق، ويطلب منه أن يوفيه حقه، وهذه الملازمة ستسبب للمماطل ضيقًا؛ إما لأنها ستعيقه عن بعض التعاملات المالية وإظهار ما معه من مال، أو لأن الناس عندما يرون تكرار هذه الملازمة سيسألون عن سببها؛ وإذا عرفوا السبب ستتغير نظرتهم له، وسيتجنبون بعض التعاملات المالية معه خاصة ما يترتب عليه دين، وهو لا يريد ذلك.

ثالثًا: حبسه (٦): وقد اتفق الفقهاء على جواز عقوبة المدين المماطل


(١) انظر: بدائع الصنائع، للكاساني ١/ ١٠١، منح الجليل، لعليش ٦/ ٥٤، مغني المحتاج، للشربيني ١/ ٤٧٥، المغني، لابن قدامة ٤/ ٢٩٢، المحلى، لابن حزم ٦/ ٤٨١.
(٢) سورة آل عمران، الآية ٧٥.
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي ٤/ ١١٧، تفسير القرآن العظيم، لابن كثير ٢/ ٦٠، أحكام القرآن، للجصاص ٢/ ٢٩٩.
(٤) رواه البخاري، كتاب الخصومات، باب الملازمة، برقم ٢٤٢٤، واللفظ له، ومسلم، كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدين، برقم ١٥٥٨.
(٥) انظر: شرح منتهى الإرادات، للبهوتي ٢/ ١٦٠، عمدة القاري، للعيني ٤/ ٢٢٨.
(٦) الحبس لغة: المنع والإمساك. والحبس اصطلاحًا: "تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه". انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس ٢/ ١٢٨، كتاب الحاء، باب الحاء والباء وما يثلثهما، مادة حبس، القاموس المحيط، للفيروز أبادي ١/ ٧٣٨، باب السين، فصل الحاء، مادة حبس، مجموع الفتاوى، لابن تيمية ٣٥/ ٣٩٨.

<<  <   >  >>