للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالحبس (١)، قال ابن المنذر: "أكثر من نحفظ عنه قوله من علماء الأمصار، وقضاتهم يرون الحبس في الدين" (٢)؛ لأن عقوبة المماطل تعزيرية وهي مطلقة ترجع لنظر القاضي، فإن رأى المصلحة في حبسه فله ذلك. ولا يوجد دليل خاص في حبس المدين المماطل وقد استدل بعض الفقهاء على جواز حبس المدين المماطل بما جاء عن هرماس بن حبيب، عن أبيه، عن جده، قال: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ بِغَرِيمٍ لِي، فَقَالَ لِي: «الْزَمْهُ»، ثُمَّ مَرَّ بِي آخِرَ النَّهَارِ، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ؟» " (٣)؛ وذلك لأن النبي سمى الغريم أسيراً، والأسير يجوز حبسه، وكذلك أمر الدائنَ بملازمة الغريم، والملازمة فيها تعويق له ومنعه من التصرف بنفسه، والحبس كالملازمة، فهو منع الشخص من التصرف بنفسه (٤). وهذا الحديث ضعيف، لا يصح الاحتجاج به، وقياس الحبس على الملازمة قياس مع الفارق، فالملازمة لا تعيق الشخص عن جميع التصرفات بعكس الحبس الذي يعيقه عن التصرف بنفسه وجلب الرزق لأهله، وينبغي أن يكون الحبس آخر العقوبات؛ لتعدي ضرره إلى أهل المحبوس ولأنه يكلف الدولة الكثير، والمراد بالعقوبات إصلاح المجتمع، فإن كان الحبس سببًا في


(١) انظر: بدائع الصنائع، للكاساني ٧/ ١٧٣، المدونة، للإمام مالك ٤/ ٥٩، الحاوي، للماوردي ٦/ ٣٣٣، الفروع، لابن مفلح ٤/ ٢٨٨، المحلى، لابن حزم ٦/ ٤٨١.
(٢) الإشراف، لابن المنذر ٦/ ٢٥٢.
(٣) رواه أبو داود، كتاب القضاء، باب في الدين هل يحبس به، برقم ٣٦٣١، والبيهقي، كتاب البيوع، باب في الحبس والملازمة، وابن ماجه، كتاب الصدقات، باب الحبس في الدين والملازمة، برقم ٢٤٢٨، واللفظ له. والحديث ضعيف؛ لجهالة الهرماس، وأبيه، وجده. انظر: التاريخ الكبير، للبخاري ٢/ ٣٢٨، الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم ٣/ ١١٢، ميزان الاعتدال، للذهبي ٤/ ٢٩٥، تهذيب الكمال، للمزي ٣٠/ ١٦٣، تهذيب التهذيب، لابن حجر، ٢/ ١٩٣، ١١/ ٢٧، تقريب التهذيب، لابن حجر ص ٢٢٢، ١٠١٩.
(٤) انظر: أحكام القرآن، للجصاص ٢/ ١٩٦، الفروق، للقرافي ٤/ ١٣٥، الطرق الحكمية، لابن القيم ١/ ٢٦٩.

<<  <   >  >>