للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما تحقق وجوده ولا دليل صحيح يمنع منه، ويُمكن أن يستدل على جوازه بحديث أبي هريرة ، قال: قال رسول الله : «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» (١)، فقد جعل النبي الدينار والدرهم مقابل المظلمة من عرض أو غيره، وفيه إشارة إلى أنه يجوز التحلل من مظلمة العرض بدفع المال، والمظلمة في العرض ضرر أدبي معنوي، كما لو اعتدى إنسان على آخر بالقذف، أو تشويه سمعته، فإنه يجوز له أن يدفع مالًا للمعتدى عليه مقابل التنازل عن حقه قبل أن تصل للقاضي، ويجوز للمعتدى عليه أن يأخذ هذا المال مقابل الضرر الأدبي الذي حصل له؛ لأنه صاحب الحق فله أن يعفو دون مقابل وله أن يعفو بمقابل المال، وله أن يرفعه للقاضي، فإذا وصل للقاضي فهو مخير بين تعويض المتضرر عن هذا الضرر الأدبي، أوتعزيره بما يراه الأصلح حسب اختلاف القضايا والناس فله أن يعزر المعتدي بالمال وأن يضع هذا المال في مصالح المسلمين، وله أن يعطي هذا المال للمتضرر أدبيًا متى ما رأى أنه الأصلح، والفرق بين تعويضه أدبيًا وبين أن يعزر المعتدي بالمال ويعطيه للمتضرر أن التعويض أدبيًا لابد من تقديرٍ لهذا الضرر وأن يكون المال مقاربًا له، أما التعزير بالمال فلا يشترط له تقدير للضرر الأدبي، فقد يكون أكثر أو أقل، وأن المال المأخوذ على وجه التعويض من حق المتضرر ولا يجوز صرفه في وجه آخر، أما المال المأخوذ تعزيرًا فليس من حق المتضرر فالأصل فيه أنه في مصالح المسلمين ولا يجوز للقاضي أن يعطيه للمتضرر إلا إن رأى أن هذا هو الأصلح حسب القضية التي بين يديه. هذا بالنسبة لحكم التعويض عن الضرر


(١) رواه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له، هل يبين مظلمته، برقم (٢٤٤٩).

<<  <   >  >>