للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واضح في أن المراد عنده أن التعويض مقابل الألم فقط، وقد رد ابن عابدين (١) على من جعل رأي أبي يوسف موافقًا لرأي محمد بن الحسن بأن المراد بحكومة الألم هي أجرة الطبيب والدواء بأن هذا يتأتى على أحدى الروايتين عن أبي يوسف وأن الرأي المشهور عنه هو أن العقوبة هي لمجرد الألم فقط زجرًا للسفيه وجبرًا للضرر (٢).

الدليل الرابع: أن القول بعدم التعويض عن الضرر الأدبي يفتح الباب على مصراعيه للمعتدين على أعراض الناس، وفي التعويض صيانة لأعراض الناس، والشريعة قد حرمت الإضرار والإيذاء بشتى صوره (٣).

نوقش: بأن عدم التعويض عن الضرر لا يفتح الباب على مصراعيه أمام المعتدين على الأعراض؛ لأن الشريعة وضعت العقوبة الرادعة المناسبة للأضرار الأدبية، والمعنوية، والكفيلة بردع المعتدين على أعراض الناس، وهي الحد، أو التعزير (٤).

الترجيح: بعد عرض القولين الواردين في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي أن القولين متكافئآن، والذي يظهر لي-والله أعلم- أن التعويض عن الضرر الأدبي من حيث الأصل جائز متى


(١) هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين، ولد سنة ١١٩٨ هـ. كان فقيه الديار الشامية، وكان شافعي المذهب ثم تحول إلى مذهب الحنفية على يد شيخه شاكر العقاد، فصار إمام الحنفية في عصره، من تصانيفه: "رد المحتار على الدر المختار " المشهور بحاشية ابن عابدين ولكنه توفي قبل أن يكمله، فأكمله ابنه محمد علاء الدين، توفي سنة ١٢٥٢ هـ. انظر: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، للبيطار، ص ١٢٣٨، معجم المؤلفين، لابن عبد الغني ٩/ ٧٧.
(٢) حاشية ابن عابدين ٦/ ٥٨٦.
(٣) انظر: التعسف في استعمال الحق، للدريني ص ٢٩٠
(٤) انظر: الفعل الضار، للزرقا ص ١٢٥

<<  <   >  >>