ويختلفون في تفسيرها وهي في الحقيقة أكبر الكفر والخيانة، وابتدعوا (الرهبانية) وهي ترك التزويج لمن أراد التعبد وتحريمه عليه، وكتبوا القوانين التي وضعتها لهم الأساقفة الثلاثمائة والثمانية عشر، فكل هذه الأشياء ابتدعوها ووضعوها في أيام قسطنطين بن قُسطن باني القسطنطينية باتفاق معه، فاتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله؛ يحرمون لهم ما أحل الله، ويحلون لهم ما حرم الله؛ فيتبعونهم.
ثم تظاهرت الفرق الكافرة (الملكية والنسطورية واليعقوبية) على المسلمة (الأريوسية)، فقاتلوها وحرضوا عليها الملك. وكان في الأريوسيين النصارى مؤمنون موحدون يقرءون التوراة، فقيل للملك قسطنطين: ما نجد شتماً أشد من شتم هؤلاء، إنهم يقرءون: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ وهؤلاء الآيات يعيبون بها أعمالنا في قراءتهم، فادعهم فليقرؤوا كما نقرأ، وليؤمنوا كما آمنا، فدعاهم فجمعهم، وعرض عليهم القتل، أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك؟، دعونا. فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا أسطوانة، ثم ارفعونا إليها، ثم أعطونا شيئاً نرفع به طعامنا وشرابنا، فلا نرد عليكم. وقالت طائفة منهم: دعونا نسيح في الأرض ونهيم، ونشرب كما يشرب الوحش، فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا. وقالت طائفة: منهم ابنوا لنا دوراً في الفَيافي ونحتفر الآبار، ونحترث البقول، فلا نرد عليكم ولا نمرّ بكم، -وليس أحد من القبائل إلا وله حميم فيهم- ففعلوا ذلك، وتفرق أصحابها فسكنوا البراري والبوادي وبنوا الصوامع والديارات والقلايات وقنعوا بالعيش الزهيد، وقد قال الله فيهم: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: ٢٧] والآخِرون قالوا: نتعبد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح