في حبس إبليس، حتى قالوا ذلك في الأنبياء: نوح، وإبراهيم، وموسى، وداود، وسليمان، وغيرهم.
ومعلوم أن إبراهيم كان أبوه كافراً، ولم يؤاخذه الله بذنب أبيه، فكيف يؤاخذه بذنب آدم، وهو أبوه الأبعد؟ هذا لو قدر أن آدم لم يتب، فكيف وقد أخبر الله عنه بالتوبة؟! وقد تاب الله عليه، واجتباه وهداه، وسواء تاب آدم، أو لم يتب، فكيف يجوز أن يكون رسل الله الذين هم أفضل منه محبوسين في حبس الشيطان في جهنم بذنبه؟! وإبراهيم خليل الرحمن كان أبوه كافراً، ولم يؤاخذه الله بذنبه! فكيف يجعله في جهنم في حبس الشيطان بسبب ذنب أبيه الأقصى آدم، مع أنه كان نبياً؟!
ثم يزعمون أن الصلب -الذي هو من أعظم الذنوب والخطايا- به خلص الله آدم وذريته من عذاب الجحيم، وبه عاقب إبليس، مع أن إبليس ما زال عاصياً لله مستحقاً للعقاب من حين امتنع من السجود لآدم، ووسوس لآدم إلى حين مبعث المسيح، والرب قادر على عقوبته.
فأي مناسبة بين الصلب -الذي هو من أعظم الذنوب- وبين تخليص هؤلاء من الشيطان؟! إن قالوا: الرب جل وعلا ما كان يقدر على تخليصهم من الشيطان -مع علمه بأنه ظالم معتد عليهم بعد الموت- إلا بأن يحتال عليه بإخفاء نفسه ليتمكن الشيطان منه كما يزعمون؛ فهذا مع ما فيه من الكفر العظيم وجعل الرب سبحانه عاجزاً كما جعلوه أولاً ظالماً؛ فيه من التناقض ما يقتضي عظيم جهلهم الذي جعلوا به الرب جاهلاً؛ فإنّهم يقولون: إنه احتال على الشيطان؛ ليأخذه بعدل، كما احتال الشيطان على آدم بالحية؛ فاختفى منه. فلما أراد الشيطان أخذ روحه؛ ليحبسه في جهنم كسائر من مضى، وهو لم يعمل خطيئة استحق