الشيطان أن يأخذه الرب، ويخلص الذرية من حبسه، وهذا تجهيل منهم للرب -سبحانه وتعالى عما يقولون- مع تعجيزه وتظليمه.
والنصارى يقولون: إن المسيح -الذي هو عندهم إله وبشر- إنما مكّن الكفار من صلبه ليحتال بذلك على عقوبة إبليس. قالوا: فأخفى نفسه عن إبليس لئلا يُعلم، ومكن أعداءه من أخذه، وضربه، والبصاق في وجهه، ووضع الشوك على رأسه، وصلبه، وأظهر الجزع من الموت، وصار يقول:"يا إلهي! لم سلّطت أعدائي عليّ"؛ ليختفي بذلك عن إبليس، فلا يعرف إبليس أنه الله، أو ابن الله، ويريد إبليس أن يأخذ روحه إلى الجحيم، كما أخذ أرواح نوح، وإبراهيم، وموسى، وغيرهم من الأنبياء والمؤمنين، فيحتج عليه الرب حينئذ، ويقول: بماذا استحللت يا إبليس أن تأخذ روحي؟ فيقول له إبليس: بخطيئتك. فيقول ناسوتي: لا خطيئة له كنواسيت الأنبياء؛ فإنه كان لهم خطايا استحقوا بها أن تؤخذ أرواحهم إلى جهنم، وأنا لا خطيئة لي. وقالوا: فلما أقام الله الحجة على إبليس؛ جاز للرب حينئذ أن يأخذ إبليس ويعاقبه، ويخلص ذرية آدم من إذهابهم إلى الجحيم.
فكيف جاز تمكين إبليس من عقوبة الأنبياء المتقدمين، ولم يمكّن من عقوبة الكفار والجبابرة الذين كانوا بعد المسيح؟!
وأَخْذُ إبليس لذرية آدم وإدخالهم جهنم؛ إما أن يكون ظلماً من إبليس، وإما أن يكون عدلًا، فإن كان عدلاً فلا لوم على إبليس، ولا يجوز أن يحتال عليه ليمتنع من العدل الذي يستحقه، بل يجب تمكينه من المتأخرين والمتقدمين. وإن كان ظلماً؛ فلِمَ لا يمنعه الرب منه قبل مجيء المسيح؟!