فإن قيل: لم يقدر؛ فقد نسبوه إلى العجز. وإن قيل: قدر على دفع ظلم إبليس، ولم يفعله؛ فلا فرق بين دفعه في زمان دون زمان، إن جاز ذلك؛ جاز في كل زمان، وإن امتنع؛ امتنع في كل زمان.
فهل يقول عاقل: إن إبليس له أن يغوي بني آدم بتزيينه لهم، ثم له أن يعاقبهم جميعاً بغير إذن من الله في ذلك؟!
ثم يقال: إبليس عاقب بني آدم، وأدخلهم جهنم بإذن الله، أو بغير إذنه؟ إن قالوا: بإذنه؛ فلا ذنب له، ولا يستحق أن يحتال عليه؛ ليعاقب ويمتنع.
وإن كان بغير إذنه؛ فهل جاز في عدل الله أن يمكنه من ذلك، أم لم يجز؟ فإن جاز ذلك في زمان؛ جاز في جميع الأزمنة، وإن لم يجز في زمان؛ لم يجز في جميع الأزمنة، فلا فرق بين ما قبل المسيح، وما بعده.
ويقال لهم: هل كان الله قادراً على منع إبليس وعقوبته بدون هذه الحيلة، وكان ذلك عدلًا منه لو فعله، أم لا؟! فإن كان ذلك مقدوراً له، وهو عدل منه، لم يحتج أن يحتال على إبليس. وإن قيل: لم يكن قادراً على منع إبليس، فهو تعجيز للرب عن منع إبليس.
وهل هذا القول إلا من قول المجوس الثنوية الذين يقولون: إن كل ما في العالم من الشر من الذنوب والعقاب وغير ذلك هو من فعل إبليس، لم يفعل الله شيئاً من ذلك، ولا عاقب الله أحداً على ذنب؟!.
ولا ريب أن هذا القول سرى إلى النصارى من المجوس، لهذا لا ينقلون هذا القول في كتاب منزل، ولا عن أحد من الحواريين، ولهذا كان