وقالوا:«وأما تجسيم كلمة الله الخالقة» ثم قالوا: «فكلمة الله التي بها خلقت اللطائف». فتارة يجعلونها خالقة، وتارة يجعلونها مخلوقاً بها، ومعلوم أن الخالق ليس هو المخلوق به!!
ومعنى ما ينقلوه من عبارات تفيد ظهور الرب في عيسى: هو نظير ما في التوراة من قوله: «جاء الله من طور سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران»، ومعلوم أنه ليس في هذا ما يدل على أن الله حال في موسى بن عمران، ومتحد به. وإنما يراد به حلول الإيمان به، ومعرفته، ومحبته، وذكره، وعبادته، ونوره، وهداه، كما ظهر في إبراهيم، وموسى، ومحمد صلوات الله عليهم وسلامه، وكما يظهر في بيوته التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وذلك بظهور نوره ومعرفته، وذكر أسمائه وعبادته فيها.
وكقوله تعالى في القرآن: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ [الفتح: ١٠] وقوله: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠]. وليس ذلك لأن الرسول هو الله، ولا لأن نفسه حال في الرسول، بل لأن الرسول يأمر بما أمر الله به، وينهى عما ينهى الله عنه، ويحب ما يحبه الله. وإذا قال القائل: أنت والله في قلبي، أو في سويداء قلبي. أو قال له: والله ما زلت في قلبي، وما زلت في عيني، ونحو ذلك؛ علم جميع الناس أنه لم يرد ذاته. وكما يقول أحدهم لمن مات والده: أنا والدك. أي: قائم مقامه. ويقولون للولد القائم مقام أبيه: من خلّف مثلك ما مات. ومن تصور هذه الأمور تبين له أن لفظ الحلول قد يعبر به عن معنى صحيح، وقد يعبر به عن معنى فاسد. ومن هذا الباب ما يذكر عن المسيح السلام أنه قال:«أنا وأبي واحد، من رآني فقد رأى أبي». فينبغي أن يعرف هذا النوع من الكلام، فإنه تنحل به إشكالات كثيرة؛ فإن هذا موجود في كلام