وإذا نظر في الإنجيل، وكتب بولس، وغيره ممن يحتج به النصارى، وجد نحواً من عشرين ألف آية مما فيه اسم المسيح، وكلها تنطق بعبودية المسيح، وأنه مبعوث مربوب، وأن الله اختصه بالكرامات، ما خلا آيات يسيرة مشكلات، قد تأولها كل فريق من أولئك الذين وضعوا الشريعة باختيارهم على هواهم، فأخذوا بذلك التأويل الفاسد، وتركوا المعظم الذي ينطق بعبوديته.
فلو كانوا قصدوا الحق لردوا تلك المشكلات الشاذة اليسيرة -التي يوجد لها من التأويل خلاف ما يتأولونه- على الواضحات الكثيرة التي قد بانت بغير تأويل.
ومن أعجب العجب أن تكون أمة كتابها، ودعوتها، ومعبودها واحداً يتمسكون بأمر المسيح ﵇، وتلامذته، وإنجيله، وسنته، وشرائعه، وهم مع ذلك مختلفون فيه أشد الاختلاف:
فمنهم من يقول: إنه عبد.
ومنهم من يقول: إنه إله.
ومنهم من يقول: إنه ولد.
ومنهم من يقول: إنه أقنوم وطبيعة.
ومنهم من يقول: إنه أقنومان وطبيعتان.
وكل منهم يكفر صاحبه، ويقول: إن الحق في يده.
ووجدنا قوماً منكم إذا نوظروا في ذلك قالوا: قد وجدنا أكثر الأديان يختلف أهلها فيها، ويتفرقون على مقالات شتّى هم عليها، وكل منهم يدعي أن الصواب في يده.