عود نفسك على تقلبان الموسم؛ فاجلس تحت الشمس المحرقة، وعش أيام المطر تحت السماء، وارتدي الرداء المبلل في الشتاء، لا تفكر في الراحة البدنية، اجتنب سائر الملذات، لا تقترب من زوجتك نَمْ على الأرض ولا تأنس في المكان الذي أنت فيه، إذا مشيت فامشي حذرًا حتى لا تتخطى عظمًا، أو شعرًا، وحتى لا تدوس نسمة، وإذا شربت الماء فاحذر أن تبتلع نسمة، لا تفرح للذيذ، ولا تحزن على الرديء.
ولعل مما يكمل صورة البؤس، والتشاؤم عند الهنود أن نقتبس بعض عبارات من كتاب يعد عند الهندوس أعظم كتاب ألف تحت السماء كما قال بذلك "سوامي رانترتيها" القديس الهندوسي المعاصر، وهذا الكتاب هو (يوجا وأسوذوتها) الذي كأكثر الكتب المقدسة لدى الهنود لا يعرف مؤلف، ولا زمن تأليفه، يقول: هذا الكتاب السعادة لا سبيل لها في العالم الذي خلقت كل نفس فيه لتموت كل شيء في هذا العالم سائر إلى الزوال والفناء مسرات، هذه الحياة ليست إلا خداعًا وأوهامًا.
وقد سقطت الأفراح على الأحزان أجل لم يشتريها أحدًا، كما تشترى العبيد، ولكننا نعمل كأننا عبيد مسخرون الرغبة فينا متقلقلة دائمًا كالقرد والنفس لا تشبع أبدًا، ولا تقنع بما في اليد، ولا تزال وثابة إلى ما تناله ومهما أشبعتها ازدادت جوعًا وطموحًا، لا خير في جسدٍ له محل للعاهات ووعاء لسائر الآلام، وهو سائر إلى الانحلال.
اتصفت الطفولة بالضعف والطوقان والعجز وعدم القدرة على الكلام والتجرد من العلم، ويا ترى ماذا يجود علينا به زمن الشباب، وهل الشباب إلا كومضة برق تخطف أبصارنا، ثم لا تلبس أن تختفي مفسحة الطريق للشيخوخة بآلامها الثلجية القاسية، ما الحياة إلا كنور السراج الموضوع في الخلاء تلعب به الرياح من كل جهة ولي بهاء الأشياء كلها إلا كومضة برق تنير لحظة، ثم تختفي إلى الأبد.
وما هي قيمة الجسد والأفراح والثروة والجاه، والملك إن كان محتمًا علينا أن نموت عاجلًا أو أجلًا، وأن الموت سيقضي على كل شيء.