للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسيح وكونه آية للناس فعدم زواجه خصوصية من خصوصياته ولم يأمر بالاقتضاء به فيها، وكذلك الحال بالنسبة لسيدنا يحيى حيث كان حصورًا حسب بشارة الملائكة به {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} (آل عمران: ٣٩)، والحصور: الذي لا يأتي النساء، إما من العِنَّة والاجتهاد في إزالة الشهوة، والثاني أظهر في الآية؛ لأنه بذلك يستحق الرجل الحمد.

ومن ثمََّ التبتل ليس من فطرة الإنسان ولم يأمر به أي نبي من الأنبياء، ومنهم أنبياء بني إسرائيل موسى وعيسى وسليمان وغيرهم، ومن قبلهم سيدنا إبراهيم، وسيدنا يعقوب فهو من سنن المرسلين، من آدم إلى مسك الختام سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم، فالتبتل لم يشهد له الواقع الديني والتاريخي والاجتماعي، فهو شذوذ عن القانون العام للأديان، وخروج عن القصد الحسن والسير المعتدل عن الصراط المستقيم، ومن ثَمَّ فشل التبتل في تحقيق المقصود به، وهو الانقطاع إلى الله؛ فأدَّى إلى الانقطاع عن الله؛ هذا لمخالفتهم السنة الإلهية القائلة {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الذاريات: ٤٩).

وإذا كان مستند القائلين بالرهبنة والتبتل هو الهرب من المرأة؛ لأنها أصل الشر والخطيئة، فلماذا أوجبوا الرهبنة عليها هي الأخرى، وممن ستهرب هي الأخرى، إن هذا التناقض ليدل على الضلال الفكري والسلوك؛ لأنه ماذا بعد الحق إلا الضلال، بينما يرى الإسلام أن المرأة مخلوق مكرم كالرجل، وأن الوسوسة والأكل من الشجرة منسوب إلى آدم وحواء معًا، وعتاب الله توجَّه لهما معًا، حيث يقول سبحانه في القرآن الكريم المعصوم من التحريف، والمهيمن على ما سبقه

<<  <   >  >>