فهي دعوى للحصول على لقمة العيش بعرق الجبين، وتحصيل المال من وجه حلال؛ هربًا من الفقر، وفي سفر الأمثال نهيٌ عن الكسل لعدم الوقع في دائرة الفقر حيث يقول السفر:"اذهب إلى النملة أيها الكسلان، تأمل طرقها وكن حكيمًا، التي ليس لها قائد أو عريف أو متسلط، وتعد في الصيف طعامها، وتجمع في الحصاد أكلها، إلى متى تنام أيها الكسلان؟! ".
والنصارى يؤمنون بالعهد القديم، ويعتبرونه مصدرًا للتشريع؛ لأن المسيح ما جاء لينقض الناموس، وموسى -عليه السلام- الذي يؤمن به النصارى عمل أجيرًا، واستناد النصارى على قول الإنجيل ناسبًا ذلك للمسيح:"إذا أردت أن تكون كاملًا بِعْ ما تملك وتعالَ اتبعني"، فعلى فرض صحة نسبتها للمسيح فهي حالة خاصة لعلاج هذا النوع الذي استشرى فيه داء حب المال وطغيانه.
ومثلها قول متَّى في إنجيله عن المسيح:"لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض، حيث يفسد السوس والصدأ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون، بل اكنزوا لكم كنوزًا في السماء، حيث لا يفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ويسرقون؛ لأنه حيث يكون كنزك يكون قلبك"، متَّى، الإصاح السادس، الفقرة التاسعة عشر إلى الثانية والعشرين.
فيراد بمثل هذه النصوص وغيرها كبح جماح طغيان المال، وذلك له نظير في الإسلام مثل قوله تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}(الكهف: ٤٦)، فلا يُفهم من ذلك الدعوة إلى الرهبنة والفقر، والعزوف عن الدنيا أو المال؛ حيث إن الله تعالى قد سمى المال خيرًا في مواضع من كتابه العزيز حيث قال سبحانه وتعالى:{إِنْ تَرَكَ خَيْرًا}(البقرة: ١٨٠) وأراد به المال، وقال:{وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}(الكهف: ٨٢)، وقال ممتنًّا