الرسول السماوي، واستنادًا إلى التطورات اللاحقة يمكن الحكم أنه أمضى فترة الإعداد هذه في دراسة الآداب المقدسة، التي كانت آنذاك متداولة في حضارة بلاد الرافدين، وفي التأمل في جميع ما درسه.
ولا بد أن هذا التأمل وهذه القراءة قد أنضجت قناعته، ومهما يكن الحال تم الآن إكمال المرحلة إعداده وتطوره الديني، وهي المرحلة التي يُمكن أن نسميها المرحلة المندعية، وأخيرًا وصل التفويض المنتظر لبثِّ الرسالة إلى العالم، وصل إلى ماني في سنة مائتين وأربعين ومائتين وواحد وأربعين من الميلاد، فيومها قال الملك له:"عليك السلام ماني مني ومن الرب الذي أرسلني إليك واختارك لرسالته، وقد أمرك أن تدعو بحقك، وتبشر ببشرى الحق من قبله، وتحتمل في ذلك كل جهد"، وهكذا فإن رسالة الملاك هي التي عينت ماني رسولًا، وتتناوب عبارة المبعوث في الإغريقية، أبو تولوس مع اصطلاح رسول؛ لتشير إلى عبارة نبي، والنبي هو الإنسان الذي يكلف بالنبوة من قبل الله إما في السماء أو على شكل وحي رباني، دائمًا بشكل مكتوب في الشرق الأوسط، وبعد تكليفه يبشر برسالته للناس على شكل عقيدة، وتمشيًا مع نصيحة الملاك أعلن ماني عن نبوته إلى والده، وإلى أعضاء آخرين بارزين في أسرته، وضمن إيمانهم به، وتحولهم إلى عقيدته.
ونستخلص من هذا الخبر أن والد ماني قد احتفظ بالصلة مع أنسبائه وأقربائه، وكان هذا ضروريًّا لأن ماني كان قادرًا منذ البداية اعتمادًا على تلك الوسيلة على نيل الدعم الفعال، ومع ذلك فإن نشاط ماني الاجتماعي العام لم تكن بدايته في بلاد الرافدين كما هو متوقع، بل في الهند، ويخبرنا هو عن ذلك بقوله في نص جاء باللغة القبطية: "بدأت التبشير في