ونعم فيها الرهبان المجوس بموقع سلطوي قوي، وذلك وفق ما رواه الجغرافي استرابوه، ولا يمكن تفسير هذه الإجراءات الدينية السياسية أكثر من أنها تدل على تصميم من جانب شابور على أن يضم إلى الأبد بعض أقاليم آسيا الصغرى إلى إمبراطوريته، خاصة البقاع التي كانت خاضعة للنفوذ الإيراني منذ سنة خمسمائة وخمسين قبل الميلاد.
ومن ناحية أخرى ليس هناك دليل مقنع على أن ما دار في خلده هو إدخال أو تقديم ديانة إيرانية محددة كزرادشتية مثلًا؛ ذلك أن عبادة النار التي بعثها كرتير كانت هي الطريق السحيقة القدم لعبادة الأرباب الذين يرد ذكرهم في جميع أشكال الممارسة الدينية الفارسية. بما أن كرتير وفق روايته الشخصية قد أشرف بنفسه على تجديد هياكل النار، فمن الواضح أيضًا أنه كان مع الجنود الفرس خلال زحفهم، وبالنتيجة كان كل من ماني وكرتير اللذين أصبحا متعاديين فيما بعد في حاشية الملك العظيم، ومن العدل أن نفترض أن شابور لم يكن قد اتخذ بعدُ أي قرار لتقديم اعتراف رسمي لأي دين من الأديان. كان يمكن أن يقع اختياره عليه في مثل تلك الظروف، وإذا كان لا بد من إيجاد حل لهذه المعضلة، فإن المانوية كان أمامها الكثير كيما تعتمد، لكن وجود كل من كرتير وماني في حاشية شابور يوحي بأن الملك الساساتني قد رغب في إبقاء كل من البديلين تحت تصرفه، وكما سنرى إن دين ماني هو مزيج توفيقي من المسيحية والعقيدة الإيرانية مع مرتكزات من عقيدة بلاد الرافدين القديمة، وفق الشكل الذي اكتسبته من العقيدة المحمدانية الغنطوسية.
وأصبحت المسيحية والعقيدة الإيرانية معتادتين على نوع التقوي الرافدي، لأن التقاليد المحلية مارست نفوذًا قويًّا بالرغم من أنه كان جامدًا في معظم الأحيان،