البيت وهربت الأرواح الشريرة، وارتعد كبير السحرة فرقا لأنه يعلم أن هذا الوليد سيقضي على السحرة والكهان ويخرجهم من البلاد.
وقد تعرض زرادشت لمحاولات متعددة من السحرة لقتله بأن ألقي في طريق قطيع كبير من الماشية لتدوسه، لكن بقرة أسرعت نحو الطفل ووقفت فوقه تحرسه حتى مر القطيع، وألقي في وكر الذئاب لتأكله أو ليموت جوعا لكن الذئاب تسمرت وأقبلت عنزتان ودخلتا الوكر معه لترضعاه، ولما بلغ زرادشت السابعة من عمره أرسله أبوه إلى حكماء الفرس يتعلم منهم ويتلقى الحكمة، واستمرت هذه الفترة ثمانية أعوام تزوج خلالها وعشق مهنة خدمة المرضى وعلاجهم.
ولم تكن مصاحبة آلام الناس وأحزانهم النهاية في نشاط زرادشت، بل إنها كانت البداية حيث أخذ يتساءل ويبحث عن مصدر الشرور والمتاعب، ويعجب من عدم سيطرة الخير على كل شيء وقرر هجر زوجته والانقطاع للتأمل والبحث فوق جبل سابلان، وذات يوم أدرك من تأمله في الليل والنهار أن العالم يضم الخير والشر كما يضم الليل والنهار، وهكذا في صورة مستمرة من غير طغيان أحدهما على الآخر، ومع اكتشافه لهذه الحقيقة سأل نفسه لماذا خلق الخير والشر معا ولم يدم به التساؤل طويلا، فلقد أتاه كبير الملائكة وقاده إلى الله تعالى أهورامزدا إله النور الأعظم الذي يحيط به ضياء عظيم، حيث تلقى كلمات الحق والحقيقة وتعلم أسرار الوحي المقدسة واستمع إلى أمر النبوة، ونزل زرادشت من الجبل حاملا رسالة الله للإيرانيين ومعه كتاب الوحي، لكنه قوبل بالإعراض والصدود من قومه ومن عشيرته الأقربين.
وقضى في دعوته عشر سنوات متحملا الأهوال صابرا على الأذى محتسبا ذلك عند أهورامزدا، الذي ظل يؤيده ويقوي عزيمته ويثبت عقيدته بالوحي المتوالي