والذين يذهبون إلى أن العقيدة هي من صنع زرادشت، يقولون: إن أهورا مازدا ليس من ابتداع زرادشت، لأن هذا الاسم كان موجودا من قبل باختلاف يسير في الحروف، كما ثبت ذلك بالنقوش الآشورية، التي هي أبعد في القدم من زرادشت، ومعناه في النقوش الله الواحد الحكيم، أما الفكر الخير والحق، فربما كانا إلهين من الآلهة الصغرى، ولكن المتأمل في النص يتضح له بجلاء، أنهما تابعان لأهورا مازدا أي الإله، ويبدو أن الفكر الخير ملك، وأن الحق صفة من صفات أهورا مازدا، ولا يطعن في هذا الرأي، الإشارة إلى النار المقدسة، لأنها تبدو في النص على أنها رمز، أما تقديسها فمن رواسب الشعائر القديمة، التي انتقلت إلى العقيدة، وتقديس النار يرجع إلى أيام، أن كانت القبائل الشمالية القديمة في حالة بداوة، وتنتقل من مكان إلى مكان تقيم فيه النيران، التي تبعث فيهم أعز مطلب وهو الدفء، في جو قاس شديد البرودة، فكانت لديهم مقدسة.
على أن هذا الرأي الذي ننصره، لا يستقيم دائما مع النصوص الموثوق بها وهي الجاثات، التي هي أناشيد موجهة إلى أهورا مازدا، ذلك لأنها نصوص قديمة تدين في وجودها، إلى الرواية الشفوية أولا، فترتب على ذلك شيء من الاضطراب، ومن هنا نجد ما يوهم التعارض، ومن الخير أن نذكر على سبيل المثال، نصا من ترجمة الدكتور مولتن، الذي ترجم الجاثات إلى الإنجليزية بعضها نثرا وبعضها شعرا، جاء في الجاثة الخمسين ما يأتي:
"أرجو أن يعلمني خالق الحكمة شرائعه، عن طريق الفكر الخير، حتى يجد لساني لها منفذا، فمن أجلك سأسرج أسرع الجياد المطهمة الممتلئة القوية، في إنجاز التسبيح لك، حتى تأتي إلى هنا يا مازدا، الحق والفكر الخير وتكون مستعدا لعوني، وبأشعار عرفت بحمية التقوى، سأمثل أمامك بيدين مبسوطتين أمامك، أنت أيها الحق بصلاة المؤمن، وأمامك بجهد الفكر الخير، وبهذه الصلوات أقدم