للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال: " وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحت في ميزانها فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على الحقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها، إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية (١) .

وكلام الشاطبي رحمه الله وإن كان بالنسبة للكلام على الفرق فهو يصلح أن يكون قاعدة للواعظ، والخطيب، والمعلم وغيرهم. وقد قال: ومن هذا يعلم أنه ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره. . . فمنه ما هو مطلوب النشر، وهو غالب علم الشريعة، ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق، أو لا يطلب نشره بالنسبة إلى حال أو وقت أو شخص " (٢) .

وقال أيضا في كتاب الاعتصام: " ومن ذلك التحدث مع العوام بما لا تفهمه ولا تعقل معناه، فإنه من باب وضع الحكمة في غير موضعها، فسامعها إما أن يفهمها على غير وجهها، وهو الغالب، وهو فتنة تؤدي إلى التكذيب بالحق، والعمل بالباطل، وإما ألا يفهم منها شيئا وهو أسلم، ولكن المتحدث لم يعط الحكمة حقها من الصون بل صار في التحدث بها كالعابث بنعمة الله (٣) .

وينبغي أن يدرك الخطيب أن جمهور خطبة الجمعة جمهور متنوع الثقافة، متعدد العادات والطبائع، مختلف الأعمار بين الشاب المتوقد الحماس، والكهل الذي عركته الحياة، وصقلته التجارب ".

فلا يجعل خطبته لفئة دون أخرى، ولا يوجه اهتمامه بفئة من فئات الحضور دون أخرى، كأن يجعل الحديث موجها في جملته لرجال الأعمال مثلا، أو لفئة الأطباء مثلا دون غيرهم، أو لفئة التجار دون غيرهم، وكما أن جمهوره متنوع الثقافة فإن خطبته ينبغي أن تكون متنوعة المستوى والخطاب.


(١) انظر: الموافقات (٤ / ١٨- ١٩١) .
(٢) المصدر نفسه.
(٣) الاعتصام (٢ / ١٣) .

<<  <   >  >>